للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلم تقم فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ، وَالْوَاو إِنَّمَا تكون للْجمع فِيمَا لَا يخْتَلف مَعْنَاهُ وينتظمه جملَة وَاحِدَة فَيصير الْكل كالمذكور مَعًا كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} كَأَنَّهُ قَالَ: فَاغْسِلُوا هَذِه الْأَعْضَاء. وَآيَة الْقَذْف ابْتِدَاؤُهَا أَمر وَآخِرهَا خبر، وَلَا يجوز أَن ينتظمها جملَة وَاحِدَة، فَكَانَت الْوَاو للاستئناف، إِذْ غير جَائِز دُخُول معنى الْخَبَر فِي لفظ الْأَمر. وَقَوله تَعَالَى: {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} ، لَا يجوز أَن يكون عَائِدًا إِلَى قَوْله: {وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم} لِأَن التَّوْبَة تزيل عَذَاب الْآخِرَة قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِم وَبعدهَا. فَعلمنَا أَن هَذِه التَّوْبَة مَشْرُوطَة للحد دون غَيره، وَالتَّوْبَة الْمَذْكُورَة فِي هَذِه الْآيَة إِنَّمَا هِيَ التَّوْبَة من الْقَذْف وإكذاب نَفسه فِيهِ، لِأَنَّهُ بِهِ اسْتحق سمة الْفسق / وَقد كَانَ جَائِزا أَن تبقى سمة الْفسق عَلَيْهِ إِذا تَابَ من سَائِر الذُّنُوب وَلم يكذب نَفسه، فَأخْبر الله تَعَالَى بِزَوَال اسْم (الْفسق) عَنهُ إِذا كذب نَفسه.

وَوَجهه أَن سمة الْفسق إِنَّمَا لَزِمته بِوُقُوع الْجلد بِهِ، وَلم يمْتَنع عِنْد إِظْهَار التَّوْبَة أَن لَا تكون مَقْبُولَة فِي ظَاهر الْحَال وَإِن كَانَت مَقْبُولَة عِنْد الله تَعَالَى، لأَنا لم نقف على حَقِيقَة تَوْبَته، فَكَانَ جَائِزا أَن يتعبدنا بِأَنا لَا نصدقه على تَوْبَته، وَأَن نتركه على الْجُمْلَة، وَلَا نتولاه على حسب مَا نتولى سَائِر أهل التَّوْبَة. فَلَمَّا كَانَ ذَلِك جَائِزا ووردت الْعِبَادَة (بِهِ) أفادتنا الْآيَة قبُول تَوْبَته، وجوب موالاته وتصديقه على مَا أظهر من تَوْبَته. وَإِلَى هَذَا ذهب إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>