للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِنْس بِالضَّرُورَةِ. فَلَو حل الْجَنِين مَعَ أَن ذَكَاته لَيست فِي الْحلق واللبة لَا يكون جِنْسا منحصرا فِيهِ، فيتطرق الْخلف إِلَى كَلَام رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] وَإنَّهُ محَال.

فَإِن قيل: إِن التَّرْكِيب فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه "، إِمَّا لبَيَان أَن الأول يعْمل عمل الثَّانِي وَيقوم مقَامه، كَمَا فِي الحَدِيث: " علم الرجل خَلِيله، وعقله وزيره، أَي أَن علمه يعْمل عمل خَلِيله، وَيقوم مقَامه، وعقله يعْمل عمل وزيره، وَيقوم مقَامه.

وَإِمَّا لبَيَان أَن الثَّانِي يعْمل عمل الأول، وَيقوم مقَامه. كَقَوْل الْقَائِل فِي وصف قلم الممدوح:

(لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل)

أَي أَن لعاب قلمه يعْمل عمل لعاب الأفاعي فِي إِلْحَاق المكاره والمضار بأعدائه / وَيعْمل عمل الْعَسَل الصافي فِي إِلْحَاق الملاذ والمسار بأوليائه. وَالْأول غير مُرَاد هُنَا، لِأَن ذَكَاة الْجَنِين لَا تعْمل عمل ذَكَاة الْأُم وَلَا تقوم مقَامهَا بِالْإِجْمَاع. فَتعين الثَّانِي مرَادا بِالضَّرُورَةِ. وَهُوَ أَن تعْمل ذَكَاة الْأُم عمل ذَكَاة الْجَنِين فِي إِفَادَة الْحل وَتقوم مقَامهَا، وَلِأَنَّهُ جُزْء مِنْهَا مُتَّصِل بهَا فيذكى بذكاتها كَسَائِر أَجْزَائِهَا الْمُتَّصِلَة بهَا.

قيل لَهُ: يجوز أَن يكون لبَيَان معنى ثَالِث وَهُوَ تَشْبِيه الأول بِالثَّانِي، كَقَوْلِهِم:

(فعيناك عَيناهَا وجيدك جيدها ... سوى أَن عظم السَّاق مِنْك دَقِيق)

أَي عَيْنَاك يَا ظَبْيَة شبيهتان بعيني الحبيبة، يَعْنِي كَمَا أَن عينيها حَسَنَتَانِ، دعجاوان، حوراوان، نجلاوان، فَكَذَلِك عَيْنَاك وعَلى هَذَا يحْتَمل أَن يكون المُرَاد: (ذَكَاة الْجَنِين) شَبيهَة بِذَكَاة الْأُم، أَي كَمَا أَن أمه لَا تحل إِلَّا بِوُقُوع ذكاتها فِي الْحلق واللبة، فَكَذَلِك الْجَنِين لَا يحل (إِلَّا) بِوُقُوع ذَكَاته فِي حلقه ولبته. فَكَانَ ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>