للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن قيل: فَمَا ذَلِك الدَّلِيل الَّذِي (هُوَ) مثل الأَصْل أَو أقوى (مِنْهُ) ؟

قيل لَهُ: الْإِجْمَاع، وَهُوَ أَنا أجمعنا (على أَن الْوَلِيّ إِذا قَالَ للْقَاتِل رضيت أَن آخذ دَارك على أَن لَا أَقْتلك، أَنه يجب على الْقَاتِل فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى أَن يسلم الدَّار إِلَيْهِ، ويحقن دَمه، وَإِن أَبى لَا يجْبر على ذَلِك، وَلم نَأْخُذ مِنْهُ كرها.

فَإِن قيل: (قد) أخبر الله فِي هَذِه الْآيَة أَن للْوَلِيّ أَن يعْفُو وَيتبع الْقَاتِل بِإِحْسَان، فَيَأْخُذ الدِّيَة من الْقَاتِل وَإِن لم يكن اشْترط ذَلِك فِي عَفوه.

قيل لَهُ: الْعَفو فِي اللُّغَة: الْبَدَل، كخذ الْعَفو أَي مَا سهل، فَإِذا الْمَعْنى: فَمن بذل لَهُ شَيْء من الدِّيَة فليقبل، وليتبع بِالْمَعْرُوفِ وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك فِي الدَّم الَّذِي يكون بَين جمَاعَة فيعفو (أحدهم) فَيتبع الْبَاقُونَ الْقَاتِل بحقهم من الدِّيَة بِالْمَعْرُوفِ. فَهَذِهِ تأويلات قد تأولت الْعلمَاء هَذِه الْآيَة عَلَيْهَا. فَلَا حجَّة لبَعض على بعض فِيهَا إِلَّا بِدَلِيل آخر فِي آيَة أُخْرَى مُتَّفق على تَأْوِيلهَا، أَو سنة، أَو إِجْمَاع.

وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقد رُوِيَ عَن أبي شُرَيْح الْخُزَاعِيّ، عَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] قَالَ: " من قتل لَهُ قَتِيل فَلهُ أَن يقتل أَو يعْفُو أَو يَأْخُذ الدِّيَة ". فقد جعل عَفْو الْوَلِيّ غير أَخذ الدِّيَة. فَثَبت بذلك إِذا عَفا فَلَا دِيَة لَهُ، (وَإِذا كَانَ لَا دِيَة لَهُ) إِذا عَفا ثَبت بذلك أَن الَّذِي كَانَ / وَجب لَهُ هُوَ الدَّم، وَأَن أَخذه الدِّيَة الَّتِي أبيحت لَهُ هُوَ بِمَعْنى أَخذهَا بَدَلا عَن الْقَتْل، والأبدال لَا تجب إِلَّا برضى من تجب لَهُ ورضى من تجب عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>