للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، وَأَبا طَلْحَة الْأنْصَارِيّ، وَأبي بن كَعْب شرابًا من فضيخ وتمر، قَالَ فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِن الْخمر قد حرمت. قَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا أنس قُم إِلَى هَذِه الجرار فاكسرها. قَالَ أنس: فَقُمْت إِلَى مهراس لنا فضربتها بأسفله حَتَّى تَكَسَّرَتْ.

قيل لَهُ: يجوز أَن يكون ذَلِك الشَّرَاب مخمرا من نَقِيع التَّمْر، وَنحن نقُول بحرمته، وَلَا يلْزم مِنْهُ حُرْمَة طبيخه. وَيجوز أَن يكون فعلوا ذَلِك لعلمهم أَنهم إِذا أَكْثرُوا مِنْهُ أسكر، وَلم يأمنوا على أنفسهم الْوُقُوع فِيهِ لقرب عَهدهم بِهِ. فكسروا لذَلِك.

وَأما قَول أنس من طَرِيق آخر: " وَإِنَّهَا لخمرهم يَوْمئِذٍ ". فَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ مَا كُنَّا نخمر.

بدل (على) ذَلِك مَا روى الطَّحَاوِيّ: عَن ابْن أبي ليلى عَن عِيسَى: " أَن أَبَاهُ بَعثه إِلَى أنس فِي حَاجَة فأبصر عِنْده طلاء شَدِيدا ". والطلاء: مَا أسكر كَثِيره. فَلم يكن ذَلِك عِنْده خمرًا وَإِن كَانَ كَثِيره يسكر. فَثَبت بِمَا وَصفنَا أَن الْخمر عِنْد أنس لم يكن من (كل) شراب يسكر، وَلكنهَا من خَاص من الْأَشْرِبَة.

وَالَّذِي يدل على مَا ذكرنَا أَيْضا مَا رُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: " حرمت الْخمر يَوْم حرمت وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء ". وَابْن عمر من أهل اللُّغَة، وَمَعْلُوم أَنه كَانَ بِالْمَدِينَةِ السكر وَسَائِر الأنبذة المتخذة من التَّمْر، لِأَن ذَلِك (كَانَ) أشربتهم فَلَمَّا نفى ابْن عمر اسْم الْخمر عَن سَائِر الْأَشْرِبَة الَّتِي كَانَت بِالْمَدِينَةِ دلّ ذَلِك (على أَن الْخمر

<<  <  ج: ص:  >  >>