للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصدقاته من الثُّلُث، فَكَذَلِك هُوَ دَلِيل على أَن الْقرعَة قد كَانَت فِي ذَلِك كُله جَائِزَة يحكم بهَا. فَفِي ارتفاعها عندنَا وَعند الْمُخَالف من الهبات وَالصَّدقَات، دَلِيل على ارتفاعها أَيْضا من الْعتاق. فَبَطل بذلك قَول من ذهب إِلَى الْقرعَة.

فَإِن قيل: إِيجَاب الْقرعَة فِي العبيد يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: {فساهم فَكَانَ من المدحضين} .

قيل لَهُ: رُوِيَ أَن يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام ساهم فِي طَرحه فِي الْبَحْر، وَذَلِكَ لَا يجوز فِي قَول أحد من الْفُقَهَاء. كَمَا لَا يجوز فِي قتل من خرجت عَلَيْهِ وَفِي أَخذ مَاله. فَكَانَ ذَلِك خَاصّا بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام.

فَإِن قيل: قد كَانَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] يقرع بَين نِسَائِهِ إِذا أَرَادَ سفرا وَالْعَمَل على هَذَا إِلَى الْآن.

قيل لَهُ: لما كَانَ للرجل أَن يخرج (ويخلفهن جَمِيعًا، كَانَ لَهُ أَن يخرج) ، ويخلف من شَاءَ مِنْهُنَّ. فَكَانَت الْقرعَة لتطيب نفس من لَا يخرج مِنْهُنَّ، وليعلم أَنه (لم يحاب) الَّتِي خرج بهَا عَلَيْهِنَّ. فَثَبت بِمَا ذكرنَا أَن الْقرعَة لَا تسْتَعْمل إِلَّا فِيمَا يسع تَركهَا، وَفِي مَاله أَن يمضيه بغَيْرهَا. وَمن ذَلِك الخصمان يحْضرَانِ عِنْد الْحَاكِم فيدعي كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه دَعْوَى، فَيَنْبَغِي للْقَاضِي أَن يقرع بَينهمَا، فَأَيّهمَا قرع بَدَأَ بِالنّظرِ فِي أمره، وَله أَن ينظر فِي أَمر من شَاءَ مِنْهُمَا بِغَيْر قرعَة، فَكَانَ الْأَحْسَن بِهِ أَن يقرع لبعد الظَّن بِهِ. وَفِي هَذَا اسْتِعْمَال الْقرعَة، كَمَا استعملها رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] فِي أَمر نِسَائِهِ، وَكَذَلِكَ عمل الْمُسلمين فِي إقسامهم بِالْقُرْعَةِ فِيمَا عدلوه بَين أهلهم بِمَا لَو أمضوه بَينهم بِلَا قرعَة كَانَ ذَلِك مُسْتَقِيمًا. فأقرعوا بَينهم لِيَطمَئِن قُلُوبهم ويرتفع الظَّن عَمَّن

<<  <  ج: ص:  >  >>