للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم الشريف البياضي عشق جارية لبنت فخر الملك فأحبها حباً عظيماً وتطاول أمره حتى شاع في الناس ذكره ولم يزل حتى مرضت فمرض أيضاً هو، فلما توفيت طاش عقله وبقي شهراً فما دون ثم لحق بها وله فيها أشعار كثيرة منها:

خليليّ مرّ بالعراق منادياً ... إلا من رأى قلباً من الوجد باليا

وإن أنتما أعييتما في ابتغائه ... ولم تجداه فابغيا لي ناعيا

ومنها:

دع الوقوف على الأطلال والدمن ... فليس ينفع مسكون بلا سكن

أما تراني لا أثني على طلل ... بعد الفراق ولا آوي إلى وطن

وكيف يأنس قلبي بالديار وقد ... أصاب فيها الردى من كان يؤنسني

إن الذين أذاقوني فراقهم ... أفنيت بعدهم دمعي من الحزن

لله من لعبت أيدي المنون به ... ضنا بما فيه أن يبقى على الزمن

جعلت روحي له من روحه عوضاً ... مقيمة معه في ذلك الكفن

فصار كالحي إذ روحي تحل به ... وصرت كالميت إذ لا روح في بدني

وكيف تصحب روحي بعده جسدي ... وكان إن غاب تأبى أن تصاحبني

ومنهم ما أخرجه ابن الجوزي في تنوير العيش عن التنوخي والثوري يرفعانه إلى إسماعيل بن جامع، قال وقع بيني وبين أبي وحشة فذهبت إلى خالي باليمن فكنت عنده في غرفة تشرف على نهر فنظرت يوماً إلى سوداء قد أقبلت تملأ قربة فوضعتها واستراحت ثم أنشدت

إلى الله أشكو بخلها وسماحتي ... لها عسل مني وتبذل علقما

فداوي مصاب القلب أنت قتلته ... ولا تتركيه هائم القلب مغرما

ثم ملأت القربة ومضت فنزلت أعدو حتى لحقتها استعيد الصوت فأبت وقالت إني لفي شغل عن ذلك قلت بماذا قالت علي درهمان فأعطيتها إياهما واستعدت الصوت حتى حفظته، فلما أصبحت فإذا هو قد ذهب مني، وأقبلت السوداء على عادتها فاستعدته منها، فقالت كأنك تستكثره بأربعة دراهم، وقد أخذت عليه أربعة آلاف دينار.

فلما كنا عند الرشيد أو قال عند المأمون وبين يديه أربعة أكياس كل واحد ألف دينار، قال من أطربني فله ألف دينار فغنيته البيتين فرماني بكيس واستعاد الصوت فرماني بالآخر حتى أعطاني الأربعة فحدثته القصة، فقال لم تكذب السوداء.

ومنهم ما أخرجه ابن إسحاق قال انحدرت مع محمد بن إبراهيم من سر من رأى، ودجلة في طغيانها، فأحضر الشراب فاندفعت جارية تغني:

وارحة للعاشقينا ... ما إن أرى لهم معينا

كم يشتمون ويضربو ... ن ويهجرون فيصبرونا

فقالت لها مغنية أخرى فيصنعون ماذا قالت هكذا ورمت بنفسها في الماء وكان على رأس محمد غلام اشتراه بألف دينار فحين رأى فعل الجارية، ألقى بنفسه وهو يقول:

أنت التي عرّفتني ... كيف الهوى لو تعلمين

لا خير بعدك في البقاء ... والموت زين العاشقينا

فدفع من طلبهما فقيل وجدا متعانقين، وقيل استخرجا ودفنا. وفي رواية الحافظ أن القصة وقعت في بيت محمد المذكور وكان على الدجلة، وأن الغلام هو الذي ألقى نفسه حين سمع الجارية فتبعته وأنها غنت هذا الصوت:

يا قمر القصر متى تطلع ... أشقى وغيري بك يستمتع

إن كان ربي قد قضى كل ذا ... منك على راسي فما أصنع

ومنهم شخص كان يهوى مغنية عند عبد الله بن جعفر فشغف بها حتى كان يأتي الباب لسماع صوتها، فلما فطن به زينها ونزل بها إليه فوجده نائماً فنبهه وقال له دونكها فامض بها إلى منزلك، فلما رآها فحص برجله وحرك فإذا هو ميت، وكانت هذه الجارية قد طلبها يزيد فأبى عبد الله أن يدفعها إليه، فقيل أنها ماتت بعد ذلك بيسير وأن موتها كان عشقاً.

[القسم الرابع]

[في ذكرى من حظى بالتلاق بعد تجرع كأس الفراق]

وهذا القسم هو الذي ترجمه بمن ساعده الزمان بمطلوبه حتى ظفر بمحبوبه وذلك إما لشفاعة أو جاه حيلة أو عناية أزلية وهم أيضاً بالنسبة إلى النساء أما متعلق بالأحرار أو مرمي بالعشق من جهة الجوار.

<<  <   >  >>