للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومما أرخه الفرس عن أردشير ملك الطوائف، أنه لما حضر ثرثار، وهي قلعة في بر سنجار من مدن الشرق استعصم بها ملكها المعروف بالساطرون وطال الأمر فصعدت ابنته يوماً على القلعة فرأت أردشير فعلقته فرمت إليه بكتاب في نشابة فيه أن أنت شرطت لي أن تتزوجني عرفتك كيف تأخذ القلعة فراجعها أني شرطت لك ذلك فدلته.

فلما أخذ القلعة وتزوج بها وأقاما مدة ضجرت ذات ليلة من شيء يؤلمها في الفراش فكشفوا فإذا هي باقة نرجس فتفكر في رقة جلدها فقال لها ما كان يطعمك أبوك قالت الشهد ومخ العظم والزبد. فقال إذا كنت غدرت بمن هو عليك بهذه الصفة من الشفقة والدلال فكيف بي واشتد عنده التخيل والغيرة والحساب فقتلها.

وحكى صاحب محاسن البلدان ونزهة الأزمان. أن لكل اقليم اختصاصاً بصفة وتمييزاً بحالة تغلب عليه من قبله ما تتغير به الكائنات الفاسدة من العلويات وغيرها.

أن مصر وضعت في طالع الجوزاء وهي تعرف عندهم بالتوأمين، والعذراء والمؤنسة ومقتضاها الرقة وسرعة التأليف، واللطف وعدم الانضباط على حالة وقلة الغيرة وكثرة الغفلة. وقد ظهر أثر ذلك في أفعالهم.

قال ألا ترى إلى لطف العزيز وتغافله، وقد رأى زوجته متهيئة للخلوة من غلق الباب ونحوه ولم يكن عالماً بعصمة يوسف عليه السلام ليقال أنه استند إلى ذلك ومع هذا قال للرجل أعرض عن هذا، وقال للمرأة استغفري لذنبك.

وعكس ذلك الاقليم الخامس فقد وضع في طالع المريخ ومقتضاه الغلظة واليبس والقسوة وسفك الدم. ألا ترى أن ملكاً من ملوك الأندلس كان شديد الكلف بجاريه عنده حتى أنه كان لا يستطيع عنها صبراً. فجلس مع ندمائه يوماً وغنت الجارية فاستعاد منها بعض خواصه صوتاً.

فلما انقضى المجلس جيء بطست فوضع بين يدي مستعبد الصوت، وقال له الملك اكشفه، فإذا فيه رأس مقطوع، فقال له استعد الصوت منها فقام مريضاً وقد نقل الحكاية أبو حيان في تفسيره ملخصاً.

الصنف الثالث في ذكر من عانده الزمان في مطلوبه حتى شورك في محبوبه فصنع من الحيل ما أفضى إلى قتله وقتل من شاركه في فعله

حكى لي رجل بحب سنة ثلاث وستين وتسعمائة، أن رجلاً موصلياً علق امرأة فزاد بها وجده، فكان يصبر عنها ساعة وتلطف بها حتى فارقت زوجها وتزوج بها وأقاما مدة. وجاء يوماً فوجدها تأكل في طعام لم يكن جاء به هو، فسألها عنه فقالت من بعض أهلي.

فداخله من ذلك شيء وقوى عنده وتجسس عن أمرها فلم يقع على شيء فمضى وركب دواء سمياً، ثم جاء به إليها فقال احتفظي بهذا فإنه باهي، فقالت كل منه فأكل ورفعت الباقي ومضى فعالج نفسه من السم وعاودها بعد يوم متمرضاً فوجدها والرجل ميتين. فخرج وقد اتفق عليه الغم وباقي السم فمات من ليلته.

ورأيت في الشهنامة الفارسية ما ترجمته أن أبرويز أحد ملوك الفرس تزوج امرأة صغيرة بديعة في الحسن وقد بلغ ثمانين سنة فوجد بها وازداد عشقه لها هي تظهر حبه وتخفي بغضه، وعلقت ولده واشتد ميلها إليه، وأن الملك دخل فرآهما على الحالة المنكرة فكادت نفسه أن تزهق.

وعلم أنه إن أظهر أنه رآهما، أمرت المرأة ولده بقتله فرجع وأخذ في تدبير الحيلة فأخذ كتاباً وسم ورقه وجلده بالذهب ورصعه بالجواهر وأودعه صندوقاً وجاء به إلى المرأة فقال لها قلد علمت ما حوت يدي من الذخائر والنفائس.

غير أنه لم يكن يعدل نفسي إلا هذا الصندوق فاحتفظي به وعلم أنها ستطلع عليه. فلما خلت به أخبرته القصة فقال علي بالصندوق فأحضرته ففضه فلم يجد إلا الكتاب مطبوقاً، فحاول فتحه فوجد ورقه معتلقاً بعضه ببعض، فجعل يبل أصبعه من ريقه ويتصفح الأوراق فلعب السم فيه وعلم بالحيلة، فأخذ السيف وخرج فضرب أباه فسقطا ميتين.

ووقفت في سنة خمس وستين وتسعمائة بمحروسة دمشق على كتاب لم أعرف مؤلفه، سماه درر الأفكار في التحريض على تزويج الأبكار، ذكر فيه ما ملخصه.

أن قدماء الفرس كانوا يمنعون التزوج بالثيب لأن حكماءهم يقولون أن المرأة لا تلقي مقاليد طاعتها ولا تصدق لطائف شهوتها ولا تظهر حسن مودتها إلا لمن يفض ختام بكارتها لأنه القاطف لزهر محاسنها والمجتلي على أول مطالع بدر مواطنها فإن وقع منها الغيرة ودفنا در لا يعتديه ونزر لا ينبغي التمسك بسببه. ولم تزل هذه الوصايا عندهم محفوظة وبعين الكمال ملحوظة.

<<  <   >  >>