للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحسد كاسات تقبل ثغرها ... إذا وضعتها موضع اللثم في الفم

ومن ليطف كلام ابن أبي الحديد في هذا المعنى.

فيا رب بغضها إلى كل صاحب ... سواي وقبحها إلى كل ناظر

وبغض إليها الناس غيري كما أرى ... قبيحاً سواها كل باد وحاضر

فيا جنة فيها العذاب ولم أخف ... حلول عذاب في الجنان النواضر

ومما ينسب إلى قيس

أرى الازار على اليلى فأحسده ... إن الازار على ما ضم محسود

وقال أبو تمام

بنفسي من أغار عليها منى ... وتحسد مقلتي نظري إليه

ولو أني قدرت طمست عنه ... عيون الناس من حذري عليه

حبيب بث في قلبي هواء ... وامسك مهجي رهناً لديه

فروحي عنده الحسم خال ... بلا روح وقلبي في يديه

ومما سنج لي في ذلك قولي

نظرت إليها والسواك قد ارتوى ... بريق عليه الطرف مني باكي

تردده من فوق در منضده ... سناه لأنوار البروق يحاكي

فقلت وقلبي قد تفطر غيره ... أيا ليتني قد كنت عود أراك

فقالت أما ترضى السواك أجبتها ... وحقك مالي حاجة بسواك

[فصل]

[في أحكام أسرار المحبة]

[وما فيها من اختلاف آراء الأحبة]

قد اختلفت آراء الحذاق وتشعب مرادات العشاق فمن ذاهب إلى أن الأفضل خزن الأسرار وإن ذلك من فعل الأحرار ومن قائل أن إفشاءها يسر القلب ويسري الكرب ومن قائل بالتفصيل وإن الاذاعة إلى المحبوب مطلوبة إذ هو الطبيب وكتم العلة عنه تعذيب وأما الاباحة لغيره فغير جائزة في مذهب المحبين وفاعلها ممقوت ومن أكبر المذنبين وهذا الطريق قد ادعى في ديوان الصبابة أنه الكاشف عن وجهه نقابة ولا والله ماله فيه ذرة ولم يكن ارتضع من هذا اللقح دره وأنا أنبه على من استنتج هذه الآراء المحررة ودون هذه المذاهب المحبرة فأقول أعلم أن الطرق الثلاث موجودة في كلام صاحب النفحات القدسية والألطاف الربانية المعطر بنفثات فيه الأقطار القائم بأعباء المحبة والأسرار قطب دائرة الوجود على رغم كل معاض سيدي عمر بن القارض أفاض الله علينا من امداداته وشملنا بألطاف عناياته فمن كلامه في المذهب الأول وهو الحقيق بالنصرة وعليه المعول.

وللحب أقوام كرام نفوسهم ... منزهة عما سوى الحب يا خلي

إذا أودعوا سراً رأيت صدورهم ... قبور الأسرار تنزه عن نقل

ومن قوله في المذهب الثاني وهو صريح في استيفاء الشروط المذكورة.

وابثثتها ما بي ولم يك حاضري ... رقيب بغى سري بخلوة جلوتي

ومن قوله في المذهب الثالث بل هو أعم من هذا المشرب وقابل لكل مطلب.

ويحسن إظهار التجلد للعدا ... ويقبح غير العجز عند الأحبة

ثم لهج الناس بهذه الطرق فمن قول بعضهم في المذهب الأول.

باح مجنون عامر بهواه ... وكتمت الهوى فمت بوجدي

فإذا كان في القيامة نودي ... من قتيل الهوى تقدمت وحدي

وأما كلام السهروردي فكأنه وقف عن كلا الطرائق وتردد وحيرة للعاشق وهو:

وارحمة للعاشقين تحملوا ... سر المحبة والهوى فضاح

بالمر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء العاشقين تباح

وإذا هم كتموا تحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السفاح

وللوثائق في المذهب الثاني

ظهر الهوى وتهتكت أستاره ... والحب خير سبيله إظهاره

فاعص العواذل في هواك مجاهراً ... فألذ عيش المستهام جهاره

ولبعضهم فيه

فبح باسم من تهوى ودعني من الكنى ... فلا خير في اللذات من دونها ستر

ولبعضهم في المذهب الثالث

يا موقد النار إلهاباً على كبدي ... إليك أشكو الذي بي لا إلى أحد

إليك أشكو الذي بي من هواك فقد ... طلبت غيرك للشكوى فلم أجد

ومن ظريف قول بعضهم

وقائلة ما بال جسمك لا يرى ... سقيماً وأجسام المحبين تسقم

فقلت لها قلبي بحبك لم يبح ... لجسمي فجسمي بالهوى ليس يعلم

<<  <   >  >>