للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[أخبار عبد الله بن عجلان وصاحبته هند]

هو عبد الله بن عجلان بن عبد الأحب بن عامر بن كعب يتصل بقضاعة وهو فخذ من بني الحريش وسعد افترقوا من قضاعة على ما ذكر في الأنساب أربعون فخذاً.

وفي النزهة أنه عذري وليس كذلك، ولكن بينه وبينهم حيث لا ترمي العصا وذلك دون خمس جدود وقال في كتاب الأنساب كانت العرب تعد الرجل منها ما لم يفارقهم بخمس بطون فإذا بلغ ذلك، قالوا قطع النسب، ورميت العصا وكان عبد الله هذا يكنى أبا عمرة وهو شاعر مفلق وناطق مزلق رقيق أديب قال في بلغة الاشفاق في ذكر أيام العشاق وهو جزء لطيف لابن رشيق موضوعه ذكر مدة العشاق في العشق أن عبد الله هذا أقل العشاق أياماً، عاش مكابد المحبة وغصة العشق ثلاثين سنة وهو جاهل يضرب به المثل كما ضرب بعروة فما قيل فيه قول قيس:

فما وجدت وجدي بها أم واحد ... ولا وجد النهدي وجدي على هند

ولا وجد العذري عروة في الهوى ... كوجدي ولا من كان قبلي ولا بعدي

فقوله النهدي إشارة إلى ابن عجلان هذا وقد سماه عمراً في أبيات سبقت في قصته وقوله على هند متعلق بوجدي فليحذر من فهم صاحب النزهة وقول البحتري:

هوى لا جميل في بثينة ناله ... بمثلي ولا عبد بن عجلان في هند

وهند هي بنت كعب بن عمرو بن ليث النهدي يتصل مع عبد الله في النسب قال في الظرائف أن سبب اعتلاقه بها، أنه خرج يوماً إلى شعب من نجد ينشد ضالة فشارف ماء يقال له نهر غسان وكانت بنات العرب تقصده فتخلع ثيابها وتغتسل فيه.

فلما علا ربوة تشرف على النهر المذكور ورآهن على تلك الحالة، فمكث ينظر إليهن مستخفياً فصعدن حتى بقيت هند، وكانت طويلة الشعر فأخذت تمشطه وتسبله على بدنها وهو يتأمل شفوف بياض جسمها من خلال سواد الشعر، ونهض ليركب راحلته فعجز، وأقعد ساعة وكان يقال عنه قبل ذلك أن العرب كانت تصف له ثلاث رواحل قائمة فيحلقها ويركب الرابعة فعند ذلك داخله من الحب ما أعجزه وعطل حركاته فأنشد فوراً:

لقد كنت ذا بأس شديد وهمة ... إذا شئت لمساً للثريا لمستها

أتتنى سهام من لحاظ فأرشقت ... بقلبي ولو أستطيع ردّ أرددتها

ثم قال هذه والله الضالة التي لا ترد ثم عاد وقد تمكن الهوى منه فأخبر صديقاً له، فقال اكتم ما بك واخطبها إلى أبيها فإنه يزوجك بها وإن أشهرت عشقها حرمتها ففعل وخطبها فأجيب وتزوج بها وأقاما على أحسن حال، وأنعم بال لا يزاد فيها إلا غراماً فمضى عليهما ثمان سنين وأنها أقامت على ذلك تحمل، وكان أبوه ذا ثروة ليس له غيره فأقسم عليه أن يتزوج غيرها ليولد له ولد لحفظ النسب والمال فعرض عليها ذلك فأبت أن تكون مع أخرى فعاود أباه فأمره بطلاقها فأبى فألح عليه وهو لم يجب إلى أن بلغه يوماً أن عبد الله قد تمكن السكر منه فعدها فرصة وأرسل إليه يدعوه، وقد جلس مع أكابر الحي فمنعته هند وقالت والله لا يدعوك لخير وما أظنه إلا عرف أنك سكران فيريد أن يعرض عليك الطلاق ولئن فعلت لمت وأظن أنك فاعل.

قال في النزهة وكان قد خلى على هند قبل ذلك اليوم عجوز كاهنة تضرب الحصا وأخبرت هند أنها ستطلق، فأبي عبد الله إلا الخروج فجاذبته ويدها مخلقة بالزعفران فأثرت في ثوبه. فلما جلس مع أبيه وقد عرف أكابر العرب حاله فأقبلوا يعنفونه ويتناوشونه من كل مكان حتى استحى فطلقها، فلما سمعت بذلك احتجبت عنه فوجد وجداً كد أن يقضي معه وأنشد:

طلقت هنداً طائعاً ... فندمت بعد فراقها

فالعين يذرف دمعها ... كالدر من آماقها

متحلباً فوق الردا ... فتجول في رقراقها

خود رداح طفلة ... ما الفحش من أخلاقها

ولقد ألذ حديثها ... وأسر عند عناقها

إن كنت ساقية ببز ... ل الأدم أو بحقاقها

فاسقي بني نهد إذا ... شربوا خيار زقاقها

فالخيل تعلم أحلق ... ها غداة لحاقها

بأسنة زرق منحن الق ... وم حد رقاقها

حتى ترى قصد القنا ... والبيض في أعناقها

<<  <   >  >>