للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال أما كان فيكم رجل رحيم. وفي نديم المسامرة للمقدسي أن عبد الله هذان حين فشا أمره مع حبيش قالوا لأمه إن ولدك قد تولع بهذه وليست من حيلكم فاعرضي عليه نساءكم لعله يشتغل بواحدة منهن عنها، ففعلت فقيل له ما ترى فيهن قال حسناً وجمالاً، فقيل أيما أحسن هن أم حبيش فتنفس الصعداء ثم قال ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان فمضى مثلاً في العرب.

[أخبار نصيب وصاحبته زينب]

هو ابن محجن نصيب بضم النون وفتح الصاد المهملة الشهير بالشاعر الزنجي مولى راشد ابن عبد العزى من كنانة.

وصاحبته أم بكر زينب بنت صفوان بن غاوي كنانية في الأصح وليست زنجية كما زعم وسبب الوصلة بينهما.

أن نصيباً كان يرعى ابلاً لمولاه وكانت رعاة مولاه تخالط رعاة صفوان، في المبروك بوادي البوار، وكانت زينب تأتي رعاة أبيها فتأخذ لبناً، وأن نصيباً تولع ببري القسي واراشة السهام وحجز الأوتار فبرع في ذلك حتى اشتهر في أحياء العرب، وكان يجلس لفعل ذلك وتذهب الرعاة فتقوم عنه بالخدمة وتتخلف الحلوب من النوق في المعاطن فتأتي زينب وهي جارية صغيرة فتأخذ اللبن، فينظرها وكان حاذقاً حسن التأمل في دقائق المحاسن ولطائف الشمائل، وهي من ذلك في أرفع المراتب، فنشأ عنده من حبها ما غير باله، وأشغل حاله فشبب بها وفشا ذلك فأتت العرب مولاه فقالت إن عبدك هذا قد برع في الشعر، ونخشى أن يهجو أحدنا ويشبب بنسائنا، وليس لنا في أحد الخليتين سيرة، فقال له مولاه إني بائعك فانظر لنفسك، فأقبل حتى دخل على الأمير وهو يومئذ عبد العزيز بن مروان فأنشد:

لعبد العزيز على عترته ... وغيرهم منن ظاهره

فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره

وكلبك أرأف بالزائرين ... من الأم بالابنة الزائره

وكفك حين تري السائلين ... لأثرى من الليلة الماطره

فمنك العطاء ومنا الثناء ... بكل محبرة سائره

فأمر له بألف دينار. فقال أصلحك الله إني عبد لا آخذ الجوائز ولكن أباع فقال لخادمه امض به إلى باب الجامع فإذا انتهت الرغبات فيه فأخبرني فمضى فلما نودي عليه بذل فيه شخص خمسين ديناراً فقال نصيب قولوا يحسن كذا وجعل يعدد صنائعه وهو يوفي بها حتى انتهى إلى ألف دينار.

فأخذه الأمير فكان في خدمته إلى أن توفي فأوصى به سليمان بعد أن أعتقه على ما ذكر بعض المعتنين بذكر محاسن الحبش والزنج، فكان من أكبر سماره وكان يلهج بالعشق وقال ابن فاتك في محاسن العبيد.

أن سليمان استخفى ليلة فسمع نصيباً وقد استخلي بنفسه يبكي ويقول متمثلاً بكلام المجنون قضاها لغيري البيت فاستحضره فقال ما هذه التي قضاها لغيرك وابتلاك بحبها أو عاشق أنت. قال أي والله جعلت فداك من العشق فقال ولمن قال لجارية في كنانة علقتها فمنعت منها القلة حسبي وحقارة نسبي عند العرب فكنت أجلس في ممرها لأخالسها النظر وفي ذلك أقول:

جلست لها كيما تمرّ لعلني ... أخالسها التسليم إن لم تسلم

فلما رأتني والوشاة تحذرت ... مدامعها خوفاً ولم تتكلم

مساكين أهل العشق ما كنت أشتري ... حياة جميع العاشقين بدرهم

فوعده سليمان بتزويجها. ففي النزهة ومحاسن العبيد لابن فاتك أنه زوجه بها وأقام معها وأنها توفيت عنده في خلافة سليمان.

وقيل أنه تزوج بها على يد اليزيد بن الوليد وما ذكره هنا من أن يزيد استخبره عل عشقت فقال نعم عشقت جارية حمراء يعني من البيض ومنعت منها مدة فلما توفي من كان يمنعها كتبت إليها:

فإن أك حالكاً فالمسك لوني ... وما لسواد جلدي من دواء

وبي كرم عن الفحشاء ناء ... كبعد الأرض عن جوّ السماء

ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلي لا يردّ عن النساء

فإن ترضى فردّى قول راض ... وإن تأبى فنحن على السواء

<<  <   >  >>