للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هوى جارية اسمها بيا فشغف بها طويلاً فخطبها إلى أهلها فلمخ يجيبوه وزوجوها من غيره فلما شعر زوجها بحال عمرو معها رحل بها حتى نزل اليمن ببني الحرث بن كعب وطال الحال على عمرو فطاش عقله وطار لبه فأشار عليه أصدقاؤه أن يقصد مكة فيتعلق بأستار الكعبة ويسأل الله أما جمعه عليها أو صرف قلبه عنها ففعل فبينما هو يطوف في الموسم إذ رآه شخص من بني الحرث فوقعت بينهما ألفة فأخبره بالحال وغياب المرأة فأعلمه بمكانها منهم فقال عمرو هل لك في صنيعة يحسن شكرها قال نعم قل فقال عمرو ليتخلف كل منا عن أصحابه بعد النفر ثم نسير إلى مكان يقرب منها وتمضي أنت فتعلمها بمكاني ففعلا ومضى به الرجل حتى جعله في بيته وذهب فأعلم بيا فكانت تأتيه فيتحادثان ويتشاكيان ما لقيا من الوجد فأنكر زوجها غشيانها المنزل من غير عادة وحسن حالها بعد ما كانت فيه من الضجر فأظهر لها سفراً يتيب فيه عشراً ثم عاد بعد ليلتين وقد فرشت لعمرو بساطاً أمام البيت وتحادثا فنام كل على طرف من البساط آمناً فنبه عمراً فثاب عليه بالسيف فقال من ينجيني منك يا عمرو وأنا لم أهرب هنا إلا منك فقال يا ابن العم والله لم يكن بيننا أكثر من الحديث وإنما غلب علي حبها من الصغر فقال زوجها حيث تحققت أن لا ريبة فلا بأس عليك فأقاما جميعاً حتى مات عمرو من العشق والعفة والوجد.

وحكى أنها عمرت بعده فسئلت عن أي شيء مات عمرو وجداً بك مع أنه لأحسن عندك فقالت ما كنت بالقبيحة ولد كنت أروي الشعر وأحسن الأدب.

[ومنهم]

[بشير الشهير بالاشتر وجيداء]

هوى جارية من قومه اسمها جيداء فاشتد بها كلفه وزاد في حبها تلفه فمنعها أهلها عنه فثار بينهما شر وخصومة عظيمة، فلما طال شوقه واضمحل حاله جاء إلى صديق له يقال له نمير فقال له: هل عندك صنيع تمن به علي عسى أن تعود روحي إلي، قال أشر بما شئت فإني فاعل قال له: تمضي إلى حي جيداء فإذا صادفت جاريتها فأخبرها بحالي فعسى أن تأخذ لي موعداً، قال نمير فمضيت حتى لقيت الجارية فأخبرتها فمضت إلى مولاتها فأخذت منها موعداً بأن تأتي بعد العشاء عند شجيرات هناك.

فلما كان الليل أقبلت فقام إليها بشير وهممت بالإنصراف عنهما فقالا: والله ما بيننا أكثر مما ترى فمكانك فجلسنا حتى مضى شطر من الليل فعزمت على الذهاب فكادت نفس بشير أن تزهق ثم سألها الإقامة معه بقية الليلة فقالت لا سبيل إلى ذلك إلا أن يكون في صاحبك هذا خير. فقلت فيم شئتم؟ فرمت بثيابها إلي وقالت إذهب إلى خدري كأنك أنا فسيجيء زوجي ويطلب القدح للحلب فلا تعطه حتى تطيل نكده ثم ارم به إلي فإني أفعل ذلك فإذا عاد باللبن فلا تأخذه حتى يضعه بنفسه أو يطول وقوفه فإنه بعد ذلك لا يأتيك بقية الليلة.

قال نمير ففعلت ذلك غير أني بعد أن طال وقوفه باللبن وأراد وضعه وأردت أخذه فاختلفنا فكب القدح وقال هذا طماح ثم عمد إلى سوط مفتول فضربني حتى زايلتني نفسي وهممت أن أوجره بالسكين فخلصوني وردوا علي الستر وجاءت أمها تعنفني وتوصيني بأن لا أخالف زوجي ظناً أنني ابنتها وتقول مالك وللأشتر ثم قامت عني على أن ترسل لي ابنتها الأخرى تؤنسني. فلما جاءت جعلت تبكي وتدعو على من ضربني واضطجعت إلى جانبي فوضعت يدي على فمها ثم قلت أن أختك مع بشير في موضع كذا وقد جرى لي من جهتها ما علمت وأنت أولى بالستر على أختك فارتعدت ساعة ثم أنست فبت معها في أطيب ليلة من اللطف والعفة حتى إذا جاء الصباح وأقبلت أختها فأنكرت من معي فقلت هي أختك وستخبرك بما كان ثم مضيت إلى بشير فأعلمته بالخبر فلما رأى تأثير السوط في بدني وخروج الدم قال لقد عظمت صنيعك ووجب شكرك.

قال ابن طاهر فلم يقم بعدها بشير إلا دون شهر وجاءه شخص فقصد مما جنتة فقال له وهو يتناول عنباً أتتفكه وجيداء قد قضت الساعة فلم يسمع منه إلا شهقة وحرك فإذا هو ميت فبلغ الخبر الجارية فهتكت سترها وجزت شعرها وألقت نفسها في بئر هناك فماتت.

[ومنهم]

مسعدة بن واثلة الصارمي

<<  <   >  >>