للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليت المغيري بالذي لم أجزه ... فيما أطال تبصري وطلابي

كادت تردّ لنا المنى أيامه ... إذ لا ألام على هوى وتصابي

خبرت ما قالت فقلت كأنما ... ترمي الحشا بصوائب النشاب

اسكين ما ماء الفرات وطيبه ... مني على ظما وحب شراب

بالذ منك وإن نأيت وقلما ... يرعى النساء أمانة الغياب

[ومنهم ما حكاه الأسدي عن أبيه]

قال دخلت دير هرقل فوجدت شاباً حسن الهيئة مكبلاً بالحديد فقلت له من الذي أوجب لك هذه الحالة فأنشد:

نظرت إليها فاستحلت بنظرتي ... دمي ودمي غال فأرخصه الحب

وغاليت في حبي لها ورأت دمي ... رخيصاً فمن هذين داخلها العجب

[ومنهم ما حكاه ابن غنيم]

قال مررت بخربة فرأيت مجنوناً مصفداً بالحديد يتمرغ في التراب ويقول:

ألا ليت أنّ الحبّ يعشق مرة ... فيعرف ماذا كان بالناس يصنع

يقولون فز بالصبر إنك هالك ... وللصبر مني ألف مرة أجزع

[ومنهم ما حكاه أبو الحسن المؤدب]

قال انحدرت من بالس أريد العراق، فبينما أنا في بعض أزقة الموصل إذ سمعت ضجة فسألت فقيل دار المجانين فدخلت فإذا أنا بشاب في الحديد قد تضرج بالدم، فلما بصر بي قال من أين قلت من بالس. قال وأين تريد قلت العراق. قال أتعرف بني فلان قلت نعم، قال هم الذين صيروني إلى ما ترى في عشقهم وأنشد:

زموا المطايا واستقلوا ضحى ... ولم يبالوا قلب من تيموا

ما ضرّهم والله يرعاهم ... لو ودّعوا بالطرف أو سلموا

ما زلت أذري الدمع في أثرهم ... حتى جرى من بعد دمعي دم

ما أنصفوني يوم بانوا ضحى ... ولم يفوا عهدي ولم يرحموا

[ومنهم للفويرك وهو من المشاهير في عقلاء المجانين]

قال الأبلي رأيته والصبيان يرمونه بالحجارة، فلما رآني قال: أما ترى ما صنع هؤلاء بي مع ما أنا فيه من العشق والجنون، قال بلى والله وبي عشق شديد قلت فما أنشدت فيه شيئاً قال بلى وأنشد:

جنون وعشق ذا يروح وذا يغدو ... فهذاله حدّ وهذاله حدّ

هما استوطنا جسمي وقلبي كليهما ... فلم يبق لي قلب صحيح ولا جلد

وقد سكنا تحت الحشا وتحالفا ... على مهجتي أن لا يفارقها الجهد

فأيّ طبيب يستطيع بحيلة ... يعالج من داءين ما منهما بدّ

وقال يوماً وقد لقيته وفي عنقه حبل يقودونه يا أبا بكر بماذا يعذب الله عباده قلت بجهنم فقال صفها فقلت له ومن الذي يقدر أن يصف عذاب الله فقال أنا والله في عذاب أعظم منه وكشف عن جسم نحيل وعظام بالية، وأنشد:

أنظر إلى ما صير الحبّ ... لم يبق لي جسم ولا قلب

انحل جسمي حبّ من لم يزل ... من شأنه الهجران والعتب

ما كان أغناني عن حبّ من ... من دونها الأستار والحجب

وقال له ابن الزيات متى حدث بك العشق قال من زمان طويل، ولكن كنت أكتمه حتى غلب فقال أنشدني ما قلت فيه فأنشد:

كتمت جنوني وهو في القلب كامن ... فلما استوى والحب أعلنه الحبّ

وخلى والجسم الصحيح يذيبه ... فلما أذاب الجسم ذل له القلب

فجسمي نحيل للجنون وللهوى ... فهذاله نهب وهذاله نهب

[ومنهم خالد بن يزيد]

يكنى أبا القاسم ويعرف بالكاتب خراساني الأصل بغدادي المنشأ أحد كتاب الجيش في الدولة العباسية والمشهورين باللطف والرقة وحسن الشعر، ثم اعتراه الجنون قيل من السوداء.

نقله في النزهة وقال أنها كانت تعتريه زمن الباذنجان فإذا جاء الشتاء، حسن حاله وحكى في امتزاج الأرواح ورياض اللطائف أنه خرج إلى بعض الأعمال بأذربيجان فشهد مجلساً وفيه قينة فأعجب بها وطلب أن يصطحبها فامتنعت فداخله حبها حتى خامر عقله، فكان يصحو أحياناً ويغمر أحياناً فترك العمل مدة ثم استعمله محمد بن عبد الملك في كتابه بعض الأعمال فمر بماجنة تغني:

من كان ذا شجن بالشام يطلبه ... ففي سوى الشام أمسى الأهل والشجن

<<  <   >  >>