للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأحدكم إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني وَفِي اسْتِعْمَال صِيغَة الْأَمر فِي قَوْله خُذُوا عني مَنَاسِككُم وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي بَيَان أَن نفس الْفِعْل لَا يُوجب الِاتِّبَاع لَا محَالة فقد كَانُوا مشاهدين لذَلِك وَلَو ثَبت بِهِ وجوب الِاتِّبَاع خلا هَذَا اللَّفْظ عَن فَائِدَة وَذَلِكَ لَا يجوز اعْتِقَاده فِي كَلَام صَاحب الشَّرْع فِيمَا يرجع إِلَى إحكام الْبَيَان

فصل فِي بَيَان مُوجب الْأَمر الَّذِي يذكر فِي مُقَدّمَة هَذَا الْفَصْل

اعْلَم أَن صِيغَة الْأَمر تسْتَعْمل على سَبْعَة أوجه على الْإِلْزَام كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} وَقَالَ تَعَالَى {وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة} وعَلى النّدب كَقَوْلِه تَعَالَى {وافعلوا الْخَيْر} وَقَوله تَعَالَى {وأحسنوا} وعَلى الْإِبَاحَة كَقَوْلِه تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} وعَلى الْإِرْشَاد إِلَى مَا هُوَ الأوثق كَقَوْلِه تَعَالَى {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} وعَلى التقريع كَقَوْلِه تَعَالَى {فَأتوا بِسُورَة من مثله} وعَلى التوبيخ كَقَوْلِه تَعَالَى {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك} وعَلى السُّؤَال كَقَوْلِه تَعَالَى {رَبنَا تقبل منا}

وَلَا خلاف أَن السُّؤَال والتوبيخ والتقريع لَا يتَنَاوَلهُ اسْم الْأَمر وَإِن كَانَ فِي صُورَة الْأَمر وَلَا خلاف أَن اسْم الْأَمر يتَنَاوَل مَا هُوَ للإلزام حَقِيقَة ويختلفون فِيمَا هُوَ للْإِبَاحَة أَو الْإِرْشَاد أَو النّدب فَذكر الْكَرْخِي والجصاص رحمهمَا الله أَن هَذَا لَا يُسمى أمرا حَقِيقَة وَإِن كَانَ الِاسْم يتَنَاوَلهُ مجَازًا وَاخْتلف فِيهِ أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من يَقُول اسْم الْأَمر يتَنَاوَل ذَلِك كُله حَقِيقَة وَمِنْهُم من يَقُول مَا كَانَ للنَّدْب يتَنَاوَلهُ اسْم الْأَمر حَقِيقَة لِأَنَّهُ يُثَاب على فعله ونيل الثَّوَاب يكون بِالطَّاعَةِ وَالطَّاعَة فِي الائتمار بِالْأَمر وَهَذَا لَيْسَ بِقَوي فَإِن نيل الثَّوَاب بِفعل النَّوَافِل من الصَّوْم

<<  <  ج: ص:  >  >>