للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي عللهم فِيهَا ليتبين لَك أَن أَكثر مَا يعللون بِهِ فِي الْمسَائِل بِهَذَا الطَّرِيق فَاسد إِذا تَأَمَّلت فِيهِ وَأَن أعدل الطّرق فِي تَصْحِيح الْعلَّة مَا كَانَ عَلَيْهِ السّلف من اعْتِبَار التَّأْثِير

[فصل المناقضة]

قد بَينا تَفْسِير النَّقْض وَحده فِيمَا مضى وَهَذَا الْفَصْل لبَيَان الدّفع بالمناقضة يلجىء أَصْحَاب الطَّرْد إِلَى الِاحْتِجَاج بالتأثير

وَبَيَانه فِيمَا علل بِهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي اشْتِرَاط النِّيَّة فِي الْوضُوء أَن التَّيَمُّم وَالْوُضُوء طهارتان كَيفَ يفترقان لِأَن عِنْد إِطْلَاق إِنْكَار التَّفْرِقَة بَينهمَا ينْتَقض بِكُل وَجه يفترقان فِيهِ من اشْتِرَاط أصل الْفِعْل فِي التَّيَمُّم دون الْوضُوء وَمن اشْتِرَاط الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة فِي الْوضُوء دون التَّيَمُّم وَمن صفة كل وَاحِد مِنْهُمَا وَغير ذَلِك مِمَّا يفترقان فِيهِ

فَإِن قَالَ عنيت إِثْبَات التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي اشْتِرَاط النِّيَّة خَاصَّة بِهَذَا الْوَصْف قُلْنَا هُوَ بَاطِل بِغسْل النَّجَاسَة عَن الثَّوْب أَو الْبدن فَإِنَّهُ طَهَارَة ثمَّ لَا يشْتَرط فِيهِ النِّيَّة فيضطر عِنْد ذَلِك إِلَى الرُّجُوع إِلَى التَّأْثِير وَهُوَ أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا طَهَارَة حكمِيَّة غير معقولة الْمَعْنى بل ثَابِتَة شرعا بطرِيق التَّعَبُّد إِذْ لَيْسَ على الْأَعْضَاء شَيْء يَزُول بِهَذِهِ الطَّهَارَة وَالْعِبَادَة لَا تتأدى بِدُونِ النِّيَّة بِخِلَاف غسل النَّجَاسَة فَإِنَّهُ مَعْقُول بِمَا فِيهِ من إِزَالَة عين النَّجَاسَة عَن الثَّوْب أَو الْبدن

وَنحن نقُول المَاء بطبعه مطهر كَمَا أَنه بطبعه مزيل فَإِنَّهُ خلق لذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء طهُورا} وَالطهُور الطَّاهِر بِنَفسِهِ المطهر لغيره يعْمل فِي التَّطْهِير من غير النِّيَّة كالنار لما كَانَت محرقة بطبعها تعْمل فِي الإحراق بِغَيْر النِّيَّة ثمَّ الْحَدث لَا يخْتَص بالأعضاء بل يثبت حكمه فِي جَمِيع الْبدن كالجنابة وَالْحيض وَالنّفاس لِأَنَّهُ لَو اخْتصَّ بِموضع كَانَ أولى الْمَوَاضِع بِهِ مخرج الْحَدث وَلَا يثبت لُزُوم التَّطْهِير فِي ذَلِك الْموضع فَعرفنَا أَنه ثَابت فِي جَمِيع الْبدن إِلَّا أَن الشَّرْع أَقَامَ غسل الْأَعْضَاء الَّتِي هِيَ ظَاهِرَة وَهِي بِمَنْزِلَة الْأُمَّهَات فِي تطهيرها بِالْمَاءِ مقَام جَمِيع الْبدن تيسيرا على الْعباد لِأَن إِقَامَة الْغسْل فِيهَا تيسير على وَجه

<<  <  ج: ص:  >  >>