للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي بَيَان الْكَلَام فِي الْقسم الثَّانِي وَهُوَ السَّبَب

أما الْكَلَام فِي الْقسم الثَّانِي فَنَقُول تَفْسِير السَّبَب لُغَة الطَّرِيق إِلَى الشَّيْء قَالَ تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا فأتبع سَببا} أَي طَرِيقا

وَقيل هُوَ بِمَعْنى الْبَاب قَالَ تَعَالَى {لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات} أَي أَبْوَابهَا وَمِنْه قَول زُهَيْر وَلَو نَالَ أَسبَاب السَّمَاء بسلم أَي أَبْوَابهَا

وَقيل هُوَ بِمَعْنى الْحَبل قَالَ تَعَالَى {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} الْآيَة يَعْنِي بِحَبل من سقف الْبَيْت فَالْكل يرجع إِلَى معنى (وَاحِد) وَهُوَ طَرِيق الْوُصُول إِلَى الشَّيْء

وَفِي الْأَحْكَام السَّبَب عبارَة عَمَّا يكون طَرِيقا للوصول إِلَى الحكم الْمَطْلُوب من غير أَن يكون الْوُصُول بِهِ وَلكنه طَرِيق الْوُصُول إِلَيْهِ بِمَنْزِلَة طَرِيق الْوُصُول إِلَى مَكَّة فَإِن الْوُصُول إِلَيْهَا يكون بمشي الْمَاشِي وَفِي ذَلِك الطَّرِيق لَا بِالطَّرِيقِ وَلَكِن يتَوَصَّل إِلَيْهَا من ذَلِك الطَّرِيق عِنْد قصد الْوُصُول إِلَيْهَا

وَكَذَلِكَ الْحَبل فَإِنَّهُ طَرِيق للوصول إِلَى قَعْر الْبِئْر أَو إِلَى المَاء الَّذِي فِي الْبِئْر وَلَكِن لَا بالحبل بل بنزول النَّازِل أَو استقاء النازح بالحبل

وَأما تَفْسِير الْعلَّة فَهِيَ الْمُغيرَة بحلولها حكم الْحَال وَمِنْه سمي الْمَرَض عِلّة لِأَن بحلولها بالشخص يتَغَيَّر حَاله وَمِنْه يُسمى الْجرْح عِلّة لِأَن بحلوله بالمجروح يتَغَيَّر حكم الْحَال

وَقيل الْعلَّة حَادث يظْهر أَثَره فِيمَا حل بِهِ لَا عَن اختبار مِنْهُ وَلِهَذَا سمي الْجرْح عِلّة وَلَا يُسمى الْجَارِح عِلّة لِأَنَّهُ يفعل عَن اخْتِيَار وَلِأَنَّهُ غير حَال بالمجروح

وَفِي أَحْكَام الشَّرْع الْعلَّة معنى فِي النُّصُوص وَهُوَ تغير حكم الْحَال بحلوله بِالْمحل يُوقف عَلَيْهِ بالاستنباط فَإِن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْحِنْطَة بِالْحِنْطَةِ مثلا بِمثل غير حَال بِالْحِنْطَةِ وَلَكِن فِي الْحِنْطَة وصف هُوَ حَال بهَا وَهُوَ كَونه مَكِيلًا مؤثرا فِي الْمُمَاثلَة ويتغير حكم الْحَال بحلوله فَيكون عِلّة لحكم الرِّبَا فِيهِ حَتَّى إِنَّه لما لم يحل

<<  <  ج: ص:  >  >>