للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنَّمَا نُرِيد أَن نفصله عَن غَيره فَلم يكن فِيمَا فعلنَا تَعْرِيف الْمَجْهُول بِالْمَجْهُولِ وَهَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْغَرَض بِالْحَدِّ التَّمْيِيز فَنحْن إِذا ميزنا وفصلنا الْخَبَر بِالصّدقِ وَالْكذب وميزنا الصدْق وَالْكذب بالْخبر كُنَّا قد ميزنا وفصلنا كل وَاحِد مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ وكأنا قُلْنَا الْخَبَر يتَمَيَّز بِأَنَّهُ خبر فان صَحَّ ذَلِك فَيجب الِاقْتِصَار على القَوْل بِأَن الْخَبَر هُوَ خبر وَلَا يتَكَلَّف هَذَا التَّطْوِيل وعَلى أَنا إِن كُنَّا قد عرفنَا الْخَبَر وعقلناه فَمن سَأَلنَا عَن حَده فانما سَأَلنَا عَن عبارَة تنبىء عَن هَذَا الْمَعْقُول الْمَعْرُوف لنا فَيجب أَن نأتي بهَا والا لم نَكُنْ قد حددناه وَأَيْضًا فان كُنَّا قد عقلنا جَمِيع معنى الْخَبَر فقد تميز لنا أَيْضا فَيجب أَن نستغني عَن حَده

جَوَاب آخر وَهُوَ أَن قَوْلنَا مَا دخله الصدْق وَالْكذب أردنَا بِهِ مَا لَا يحظر أهل اللُّغَة أَن يُقَال للمتكلم بِهِ صدقت أَو كذبت وَلَيْسَ يقف حظر ذَلِك على معرفَة الصدْق وَالْكذب بل ذَلِك يرجع فِيهِ إِلَى اللُّغَة وَهَذَا لَا يَصح أَيْضا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يسوغ أهل اللُّغَة أَن يُقَال للمتكلم صدقت أَو كذبت إِذا عرفونا الصِّيغَة وميزوها مِمَّا لَا يَصح أَن يُقَال لمن تكلم بِهِ صدقت أَو كذبت فَالْخَبَر هُوَ مَا اخْتصَّ بِتِلْكَ الصِّيغَة فَيجب أَن يكون حد الْخَبَر هُوَ مَا أنبأ عَنْهَا

وَالْأولَى أَن نحد الْخَبَر بِأَنَّهُ كَلَام يُفِيد بِنَفسِهِ إِضَافَة أَمر من الامور إِلَى أَمر من الامور نفيا أَو إِثْبَاتًا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِنَفسِهِ لِأَن الْأَمر يُفِيد وجوب الْفِعْل لَا بِنَفسِهِ وَإِن مَا يُفِيد هُوَ استدعاء للْفِعْل لَا محَالة لَا يُفِيد إِلَّا ذَلِك بِنَفسِهِ وَإِن مَا يُفِيد كَون الْفِعْل وَاجِبا تبعا لذَلِك ولصدوره عَن حَكِيم وَكَذَلِكَ دلَالَة النَّهْي على قبح الْفِعْل فَأَما قَول الْقَائِل هَذَا الْفِعْل وَاجِب اَوْ قَبِيح فانه يُفِيد تصريحه تَعْلِيق الْوُجُوب والقبح بِالْفِعْلِ

فَأَما أَقسَام الْخَبَر الصدْق وَالْكذب فَعِنْدَ أبي عُثْمَان الجاحظ أَن الْخَبَر المتناول للشَّيْء على مَا هُوَ بِهِ من شَرط كَونه صدقا أَن يعْتَقد فَاعله أَو يظنّ أَنه كَذَلِك والمتناول للشَّيْء لَا على مَا هُوَ بِهِ من شَرط كَونه كذبا أَن يَعْتَقِدهُ فَاعله أَو

<<  <  ج: ص:  >  >>