للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَيْسَ فِي الْعقل دَلِيل عَلَيْهَا وَلَا فِي السّمع

إِن قيل جَوَاز كَونه مفْسدَة يُغني فِي قبحه كَمَا يُغني جَوَاز كَون الْخَبَر كذبا فِي قبحه وَإِذا قبح مَعَ الْجَوَاز لم يجب فِي الْحِكْمَة تَعْرِيف كَونه مفْسدَة قيل قد أُجِيب عَن السُّؤَال بأَشْيَاء

مِنْهَا أَنا كَمَا نعلم قبح خبر لَا نَأْمَن كَونه كذبا فانا نعلم حسن مَنْفَعَة لَا نعلم فِيهَا وَجها من وُجُوه الْقبْح أَلا ترى أَنا نعلم حسن التنفس فِي الْهَوَاء أَو التَّصَرُّف فِيهِ وَلَيْسَ يضرنا أَن لَا نَعْرِف الْفرق بَين ذَلِك وَبَين الْخَبَر الَّذِي يقبح إِذا جَوَّزنَا كَونه كذبا وَهَذَا الْجَواب لَا يَصح لِأَن الْمُسْتَدلّ رام أَن يثبت حسن هَذَا التَّصَرُّف بِانْتِفَاء وُجُوه الْقبْح عَنهُ وَاسْتدلَّ على انْتِفَاء كَونه مفْسدَة بِأَنَّهُ لَو كَانَ مفْسدَة للَزِمَ فِي الْجُمْلَة تعريفنا كَونه مفْسدَة وَهَذَا الْجَواب يَنْفِي وُجُوه الْقبْح عَنهُ تبعا للْعلم بِأَنَّهُ حسن فَهُوَ مُخَالف لموضوع الدّلَالَة وَهُوَ انْتِقَال إِلَى دلَالَة أُخْرَى وَهِي قِيَاس سَائِر الْمَنَافِع على التنفس فِي الْهَوَاء وَسَيَجِيءُ الْكَلَام على هَذَا الْقيَاس

وَمِنْهَا أَن الْكَذِب يقبح على كل وَجه وَإِن اخْتصَّ بنفع وَدفع ضَرَر وَلَيْسَ كَذَلِك الْمَنَافِع والمضار وَلقَائِل أَن يَقُول وَلم إِذا افْتَرقَا من هَذِه الْجِهَة وَجب إِذا قبح أَحدهمَا لتجويز كَونه كذبا لَا يقبح الآخر لتجويز كَونه مفْسدَة وَأَيْضًا فان الْمفْسدَة لَا تحسن على وَجه وَإِن اخْتصّت بنفع أَو دفع ضَرَر كَمَا أَن الْكَذِب لَا يحسن مَعَ النَّفْع وَرفع الضَّرَر فَهَلا كَانَ تَجْوِيز الْمفْسدَة كتجويز كَون الْخَبَر كذبا فِي تقبيح الْفِعْل

وَمِنْهَا أَن الأَصْل فِي النَّفْع أَن يكون حسنا وَأَن يكون خَالِصا إِذا لم يعلم فِيهِ مضرَّة وَوجه قبح فاذا كَانَ كَذَلِك وَجب مَتى لم يخبرنا الله أَن الْفِعْل مفْسدَة أَن نقطع على أَنه لَيْسَ بمفسدة وَلَيْسَ كَذَلِك الْخَبَر لِأَنَّهُ لَيْسَ الأَصْل فِيهِ كَونه صدقا وَلقَائِل أَن يَقُول إِن أردتم بِهَذَا الْكَلَام أَن النَّفْع الَّذِي لَا يعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>