للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَقْلِيَّة، وَمَا رام بذلك استقصاء القَوْل فِيهَا، وَلَكِن قصد التَّنْبِيه على مَا تفترق فِيهِ الْعِلَل الْعَقْلِيَّة والسمعية. فيحيط بذلك علما فِي مجاري الْكَلَام.

١٧٥٥ - فَاعْلَم أَن الْعلَّة الْعَقْلِيَّة تفارق السمعية من أوجه:

أَحدهَا: أَن الْعِلَل الْعَقْلِيَّة توجب أَحْكَامهَا لذواتها وأنفسها، حَتَّى لَا يسوغ تقديرها مَعَ انْتِفَاء الْأَحْكَام، وَلَيْسَ كَذَلِك السمعية، وَقد سبق القَوْل فِيهِ. وَمِنْهَا أَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة قد تفْتَقر فِي اقْتِضَاء الْأَحْكَام إِلَى شَرط، حَتَّى لَا تَقْتَضِيه دون الشَّرْط، وَلَيْسَ كَذَلِك الْعَقْلِيَّة.

فَإِن قيل: أَلَيْسَ الْعلم يفْتَقر إِلَى الْحَيَاة فِي كَونه مُوجبا لحكمه؟

قُلْنَا: هَذَا زلل. فَإِن الْعلم لَا يفْتَقر إِلَى الْحَيَاة فِي إِيجَابه الحكم، وَلَكِن يفْتَقر إِلَى الْحَيَاة فِي ثُبُوته ووجوده، ثمَّ إِذا وجد، لم يكن إِلَّا مُوجبا. وَالْعلَّة السمعية قد تُوجد وَلَا توجب الحكم بِشَرْطِهِ. وَذَلِكَ نَحْو وجود الطّعْم فِي الجنسين، مَعَ انْتِفَاء شَرطه وَهُوَ اتِّحَاد الْجِنْس. وَمِنْهَا أَن الْعلَّة الْعَقْلِيَّة، لَا تكون إِلَّا معنى ثَابتا، وَلَا يسوغ أَن يكون النَّفْي عِلّة عقلا، وَيجوز أَن ينْتَصب الانتفاء عِلّة سمعا، فَإِن سَبِيلهَا سَبِيل " الْإِمَارَة " وَالنَّفْي قد يدل كَمَا يدل الْوُجُود

وَمِنْهَا أَن الْعلَّة الْعَقْلِيَّة تخْتَص بِذَات من لَهُ الحكم مِنْهَا، اخْتِصَاص الْعلم الْقَائِم بمحله فَإِنَّمَا يُوجب الْعلم حكمه، للمحل الَّذِي قَامَ بِهِ. على مَذْهَب أهل الْحق، وَلَيْسَ كَذَلِك علل السّمع.

<<  <  ج: ص:  >  >>