للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(تَنْبِيه آخر:)

مِمَّا جَاءَ فِيهِ الْمُطلق جَارِيا على إِطْلَاقه مَا ذكره فِي جَامع الْفُصُولَيْنِ من أَن رب المَال لَو قَالَ للْمُضَارب: اعْمَلْ بِرَأْيِك، فَدفع الْمضَارب المَال إِلَى آخر مُضَارَبَة على أَكثر من نصِيبه يجوز. انْتهى بِالْمَعْنَى. وَقد ذكر هَذَا عقب قَوْله: وَلَو كَانَ الْبذر لرب الأَرْض فَقَالَ للمزارع: اعْمَلْ بِرَأْيِك، فَدفع الْمزَارِع إِلَى آخر مُزَارعَة، فَلَو دفع بِأَقَلّ من نصِيبه جَازَ لَا بِأَكْثَرَ (انْتهى بِلَفْظِهِ) ثمَّ ذكر مَا لَفظه: قَالَ ابْن أبي عمرَان: سَأَلت عليا الرَّازِيّ عَن الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فَقَالَ: إِن فِيمَا تفرد مُحَمَّد رَحمَه الله تَعَالَى بتصنيفه مسَائِل لَو رُوجِعَ فِيهَا لرجع عَنْهَا، مِنْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة (ر: جَامع الْفُصُولَيْنِ، الْفَصْل الموفي الثَّلَاثِينَ، صفحة / ٦٦) .

وَلَقَد استولى عَليّ الدهش حِين وقفت على صُدُور مثل هَذَا فِي حق الإِمَام مُحَمَّد بن الْحسن مُحَرر الْمَذْهَب النعماني من مثل عَليّ الرَّازِيّ الَّذِي أَخذ الْفِقْه عَن الْحسن بن زِيَاد وروى عَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَقبُول مثل أَحْمد بن أبي عمرَان لَهُ، الَّذِي تفقه على ابْن سَمَّاعَة تلميذ أبي يُوسُف وَمُحَمّد، وَالَّذِي هُوَ شيخ أبي جَعْفَر الطَّحَاوِيّ. فَإِن صُدُور مثل هَذَا من مثلهمَا مَعَ أَنَّهُمَا من أعرف النَّاس بِفضل الإِمَام مُحَمَّد يقلل من الوثوق بعلمهما بفضله، وَكَانَ من الْوَاجِب الْأَلْيَق بعلي الرَّازِيّ تجاه الإِمَام مُحَمَّد رَحْمَة الله تَعَالَى عَلَيْهِ أَن يقف عِنْد كلمة " لَا أَدْرِي " وَأَن لَا يكره التَّصْرِيح بهَا. ورحم الله تَعَالَى ابْن دُرَيْد حَيْثُ يَقُول:

(وَمن كَانَ يهوى أَن يرى متصدراً ... وَيكرهُ " لَا أَدْرِي " أُصِيبَت مقاتله)

هَذَا مَعَ أَن الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ ظَاهر فِيمَا أرى، فَإِن الْمُضَاربَة تَتَضَمَّن الْوكَالَة، وَالْمُضَارب وَكيل فِي التَّصَرُّف عَن رب المَال كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَوَائِل كتاب الْمُضَاربَة. فَإِذا عمم لَهُ رب المَال وَأطلق يَده فِي التَّصَرُّف بقوله: اعْمَلْ بِرَأْيِك يملك حِينَئِذٍ على رب المَال أَن يدْفع المَال لآخر مُضَارَبَة على أَكثر من حِصَّته، وَينفذ ذَلِك عَلَيْهِ عملا بتفويضه وإطلاقه لَهُ بقوله: اعْمَلْ بِرَأْيِك.

وَأما الْمُزَارعَة فَإِنَّهَا لَا تَتَضَمَّن وكَالَة، بل الْمزَارِع فِي صُورَة مَا إِذا كَانَ الْبذر من جِهَة رب الأَرْض أجِير بِبَعْض الْخَارِج من عمله، وبإطلاق الْمُسْتَأْجر وتعميمه

<<  <   >  >>