للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(تَنْبِيه:)

علل فِي الْهِدَايَة اشْتِرَاط مجْلِس الْقَضَاء فِي الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة بِأَن الرُّجُوع فسخ للشَّهَادَة فَيخْتَص بِمَا يخْتَص أَدَاؤُهَا بِهِ، وَهُوَ مجْلِس الْقَضَاء، وَبِأَن الرُّجُوع تَوْبَة، وَهِي على حسب الْجِنَايَة، فالسر بالسر والإعلان بالإعلان.

وَاعْترض الشُّرَّاح الأول بِأَن التلازم مَمْنُوع فِيهِ، فَلَا يلْزم من اخْتِصَاص ابْتِدَاء أَدَاء الشَّهَادَة بِمَجْلِس الحكم أَن يخْتَص الرُّجُوع عَنْهَا بِهِ، لِأَن الرُّجُوع لَيْسَ شَهَادَة، وَإِنَّمَا هُوَ إِقْرَار بِالْكَذِبِ الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ ضَمَان المَال، فَيَنْبَغِي أَن تقبل الْبَيِّنَة عَلَيْهِ.

وَاعْترض الثَّانِي فِي تَكْمِلَة فتح الْقَدِير بَان الإعلان لَا يجب أَن يكون فِي مجْلِس الحكم، بل يتَحَقَّق فِي مجاهرة النَّاس بِهِ وَالْإِشْهَاد عَلَيْهِ. وَلم يَأْتِ أحد بِجَوَاب فِيهِ مقنع.

وَالَّذِي يظْهر فِي تَوْجِيه اشْتِرَاط مجْلِس الْقَضَاء أَن مدعي الرُّجُوع لَو أَرَادَ أَن يثبت رجوعهم بِالْبَيِّنَةِ، فإمَّا أَن يُثبتهُ بغيبتهم أَو بمواجهتهم، وَلَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته بغيبتهم وَلَو سرا، لِأَنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ تضمينهم، فَيكون قَضَاء على الْغَائِب بِدُونِ نَائِب عَنهُ، وَهُوَ لَا يُمكن. وَلَا سَبِيل إِلَى إثْبَاته بمواجهتهم، لِأَنَّهُ جرح مُجَرّد علني، فَلَا تقبل دَعْوَاهُ بِهِ، لِأَنَّهُ تفسيق قصدي، فَلم يبْق سَبِيل إِلَى ثُبُوت الرُّجُوع إِلَّا الْإِقْرَار فِي مجْلِس الْقَضَاء.

وَلَا يُقَال: " إِن دَعْوَى رُجُوع الشُّهُود لَيست جرحا مُجَردا، بل هِيَ جرح مركب لما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من تضمينهم فَيَنْبَغِي أَن يقبل علناً " لِأَن الْجرْح الْمركب يثبت فِيهِ التفسيق تبعا لدعوى المَال الْمَحْضَة، كَمَا لَو ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِأَن الْمُدَّعِي اسْتَأْجر الشُّهُود وَدفع لَهُم الْأُجْرَة من مَال الْمَشْهُود عَلَيْهِ فيطلب اسْتِرْدَاده، فَأخذ المَال هُنَا مُوجب بِنَفسِهِ للرَّدّ، وَيثبت تفسيق الشُّهُود المستأجرين تبعا، أما فِي مَسْأَلَتنَا فَإِن تضمين الشُّهُود المَال إِنَّمَا هُوَ فرع تفسيقهم بِإِثْبَات الرُّجُوع عَلَيْهِم، فَتكون دَعْوَى الرُّجُوع عَلَيْهِم _ وَالْحَالة هَذِه _ جرحا مُجَردا فَلَا تسمع.

<<  <   >  >>