للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبذة عن عَصْر ابْنِ الحَاجِبِ (١)

مَا أَصْدَقَ قَوْلَةَ ابْنِ خَلْدُونَ فِي مقدِّمته "أن الإنْسَانَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْع"، وهذا يَعْنِي أَنَّ الإنْسَان لا يَسْتَطِيع أَنْ يَعِيشَ مُنْعَزِلًا عَن المُجْتَمع، بَلْ لا بُدَّ لَهُ من تأثيرٍ وتأثُّرٍ، وأخذ وإعطاء، فهذه سُنَّةُ اللّه الَّتي فَطر النَّاس عَلَيْهَا.

ولا شكَّ أَنَّ كلَّ بيئةٍ لها تأثيرُهَا الخاصُّ عَلَى تكوين أفْرَادِهَا، فَهِي تصبغه بصبغتها، فيَسْتَوِي عُودُه على ما قَدْ رَشَفَه مِنْ مجتَمَعِه الَّذِي يُحِيط به، إِنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فَشَرٌّ.

وغايةُ الأَمْرِ أَنَّك، إِذَا أردت أن تستَجْلِي هذا الصَّرْحَ الشَّامِخَ - ابْنَ الحاجِب - فلا بُدَّ من إِلقاء بَصِيصٍ مِنَ الضَّوْء على العَصْر الَّذي عاشَ فيه:

قَامَتْ دولَةُ بَنِي أَيُّوبَ في مصْرَ بعْد ضعف الخلافةِ العبَّاسيَّة، وانْقِسام الطَّوائِف الطَّامعةِ في الخلافَةِ بأماكنَ تخصُّها، فالعالَمُ الإسلاميُّ يعاني من وَيْلات الانقسامِ والفُرْقَةِ، مِنْ سلاجقةٍ بالعراق، وفاطميِّين في الغَرْب، ثُمَّ مِصْر والشَّام، وبُوَيْهِيِّين بالعراقِ وفارِس قَبْل أنْ يَسْتَولي السَّلاجِقَةُ بَعْد ذلِكَ عَلَى الخِلافَة بـ "بَغْدَاد".

ولقَدْ دَخَلَ السَّلاجقةُ فِي حُرُوبٍ وويلانٍ ليوطِّدوا مُلكَهم، وكانَتْ علاقتهم بالعباسييِّن علاقةً طيِّبة لا يُعكَّر صفْوُها إلا إذا تدَخَّل أحدُهم في شؤون الخليفة العباسيِّ.

وقد استقلَّ عماد الدِّين زنكي عن السَّلاجقة، وأَنْشَأَ الدَّوْلَة الزنكيَّة، الَّتي دخَلَتْ فِي


(١) صاحب المَتْنِ الَّذي قام بشَرْحه العلَّامةُ ابنُ السُّبكيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>