للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾، وَقَالَ: ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا﴾ [سورة طه: الآية ٦٤]، وقال: ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ [سورة يوسف: الآية ١٥]، وقال ﷺ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ" وعلى هذا يصحُّ إطْلاقُ اسْمِ الإجْماع على عَزْم الواحِدِ.

والثَّانِي الاتِّفاق: يقال: أجْمَع القَوْمُ على كذا، أيْ: صاروا ذَوِي جَمْعٍ كما يقال: أَلْبَنَ وأَتْمَرَ، إذا صَار ذا لَبَنٍ وتَمْرٍ، وعلى هذا فاتِّفاق كلِّ طائفةٍ على أمْرٍ من الأمور دِينيًّا كان أو دنيويًا، يسمَّى إجماعًا حتَّى اتفاق اليَهودِ والنَّصَارى، وقال صاحبُ "المُسَلَّم" في "المُسَلَّم" وحاشيتِهِ، وهو لغةً: العَزْمُ والاتِّفَاق، وكلاهما من الجَمْع، أي: منقولٌ ومأخوذٌ مِنْه؛ لأن العَزْمَ باجتماعِ الخَوَاطِرِ، والاتفاق باجتماع الأعْزامِ، وفيه ردٌّ على شارحِ المُخْتَصَرِ، حيث قال: الإجماعُ لغةً يطلَقُ على معنيين، أحَدُهُما: العَزْم، ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ أي: اعْزِمُوا، ومِنْه: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ".

وثانِيهِما: الاتِّفاق، وحقيقة: أجْمَعَ، صارَ ذَا جَمْعٍ، كأَلْبَنَ وأتْمَرَ. وكلامُه يُفِيدُ أنَّ الإجْماعَ مشْتَرَكٌ مَعْنَوِيٌّ مَوْضُوعٌ لصيْرُورةِ المَرْءِ ذا جَمْع الشَّاملة لصَيْرُورَتِهِ ذا جَمْع لخواطره، وصيرورته ذا جمع لعزمه أو رأْيه مع أعْزَام القَوْم أو آرائِهم، وقال القاضي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ: العَزْمُ يَرْجِع إلى الاتِّفاق؛ لأنَّ من اتَّفَق على شَيْءٍ، فقد عَزَمَ عَلَيْه، وعلى هذا يكونُ العَزْم لازِمًا للاتِّفاق، فالإجْمَاع عِنْده حقيقةٌ من الاتِّفاق مجاز في العَزْم.

وقال ابنُ أمير حاج صاحبُ "التقرير": لِقَائِل أَنْ تقُول: المعنَى الأصليُّ له العَزْم، وأما الاتِّفاقُ فلازمٌ اتفاقيٌّ ضروريٌّ للعَزْمِ من أكْثَرَ منْ واحدٍ؛ لأن اتِّحادَ متعلِّقِ عَزْمِ الجماعةِ يوجِبُ اتِّفاقَهم عَلَيْه، لا أن العزم يَرْجِع إلى الاتفاق؛ لأن من اتفق على شَيْءٍ، فقد عزَم عَلَيْه، كما ذكره القاضي، فإنَّه ليس بمطَّرِدٍ، ولا أنه مشتركٌ لفظيٌّ بينهما كما ذَكَره الغزاليُّ أو لا ملجئ إليه مع أنه خلاف الأصل وقال ابْنُ برهان وابْنُ السمعاني: العزم: أَشْبَهُ باللُّغَةِ، والاتِّفاق: أشبه بالشَّرْع، ويجاب عنه بأن الاتِّفاق، وإن كان أشبه بالشَّرْع فذاك لا ينافي كونَه معنىً لغويًّا، وكون اللَّفْظ مشتركًا بينه وبين العزم قال أبو عليٍّ الفارسي: يقال: أجمع القوم إذَا صَارُوا ذَوِي جَمْعٍ، كما يقال: أَلْبَنَ، وأتمر إذا صَار ذا لبن، وتمر، والَّذي يظهر لي في تحرير المعنى اللُّغوي أَن بين العزم، والاتفاق عمومًا وخصوصًا وجهيًا يجتمعان في اتفاق الجماعة في إرادة شيءٍ وينفردُ العزمُ في إرادة الواحِد، وينفرد الاتِّفاق في اتفاق الجماعة في قول أو فعل بدون إرادة وعزم.

<<  <  ج: ص:  >  >>