للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حكم العَادَةِ، ولا في جوازه في ضَرُورِيَّاتِ الأحكام، وإنَّما النزاع في إمكانه عادة في الأحكام التي لا تكون معلومة بالضَّرورة، ونسب ابن الحاجب هذا القول إلى النَّظَّام ووافقه الكَمَالُ بن الهمام، وذكر العلامة السُّبْكيُّ أن هذا قول بعض أصحابه، وأمَّا رأي النَّظَّام نَفْسِهِ مع بعض أصحابه، فهو: أنَّه يتصور، ولكن لا حجية فيه هكذا نقله القاضي وأبو إسحاق الشيرازيُّ وابنُ السمعانيِّ وهي طريقة الإمام الرازي وأتباعه في النقل عنه.

شُبَهُ المُخَالِفِينَ في إمْكَانِ الإجْمَاعِ:

في هذا الصَّدد لم يلجأ معظم المصنِّفين إلى أدلَّةِ لإثبات دعوى الجمهور، وهي إمْكان الإجماع، بل اكتفوا بإيراد شبه الخصوم ثم هدمها، وفي ذلك إشْعَار بأن دعواهم بلغت من البداهة إلى حدٍّ لا تحتاج فيه إلى دليلٍ، أو تنبيهٍ، ورُبَّ سكوت أفْصَحُ من كلام.

قالوا: أولًا: لو أمكن اتِّفاقهم لأمكن نقل الحكم إليهم جميعًا؛ لأن اتفاقهم فرع تساويهم في نقل الحكم إليهم فلا يتَّحققُ إلَّا بعد تحققه، ونقل الحكم إليهم جميعًا باطل، لأن انتشارهم في الأقطار يمنع منه عادة فبطل المقدم، وثبت نقيضه، وهو عدم إمْكَانِهِ.

والجوابُ: قولكم: "انتشارهم في الأقْطَارِ يَمْنَعُ من نقل الحكم إليهم" مَمْنُوعٌ فإنَّهُ لا منع في المتواتر كالكتاب فهو لشهرته لا يخفى على أحد، ولا في أوائل الإسلام، لأن المجتهدين كانوا قليلين فيتيسَّر نقل الحكم إليهم، ولا بُعْدَ في جِدِّهم في الطَّلب والبحث، فإن المطلوب لا يخفى على الطَّالب الجاد، وجدهم في طلب العلم لا ينكره أحد، فمنهم من رَحَل من أصْفَهَانَ ببلاد الفرس إلى معرَّة النُّعمان بالشَّام على بعد ما بين البلدين، ولم يكن من غرض سوى تحقيق بعض مسائل العلم، وأمْثَال هذا من طُلَّابِ العلم من المسلمين كثير تقرأ تاريخ حياتهم فتجدهم تحملوا المشاقَّ، واقتحموا العقبات، وساحوا في أرْجَاء الدُّنيا العربية من "الفرس"، و"العراق"، و"الشام"، و"مصر"، و"الأندلس" ليدرسوا على مشاهير العلماء، وليطفئوا نيران ظَمَئِهم إلى العلوم بالري من مناهله، وبالجملة لم نجد أمة بذلت في هذا المِضمار مثل ما بذلت هذه الأمة.

قالوا ثانيًا: لو أمكن اتفاقهم، فإمَّا أن يكون عن قاطع، أو ظنيّ إذْ لا بد للإجماع من مستند، وليس وراءهما مُسْتَنَدٌ يُستند إليه، والتالي بشقيه باطل أمَّا القَاطِعُ فلأن العادة تحيل عدم الاطّلاع عليه لِتَّوَفُّرِ الذَواعي على نقله، ولو اطلع عليه لنقل، لكنه لم ينقل فلم يطلع

<<  <  ج: ص:  >  >>