للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يزد على هذه الأبيات، وشد أصحاب عامر فعقروا الإبل ونادوا: أعامر ثم تفرقوا، وكان في سرعان أصحاب عامر فتي تقدم قبل القوم فأورد فريقاً على الماء وهو رافع عقيرته يقول:

علقم لا لست إلى عامر ... الناقض الأوتار والواتر

فسمعته مليكة بنت الحطيئة فوضعت البوغاء على رأسها وهتفت: واحرباه؟ هذا والله شعر أبي بصير، فلما توعد علقمة الأعشى وزاد فيها:

شاقتك من قتلة أطلالها.... إلى آخر القصيدة

وقال في كلمته التي فيها:

وما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج لا يواري الدعامصا

كلا أبويكم كان فرعا دعامة ... ولكنهم زادوا وأصبحت ناقصا

وأسلم هرم بن قطبة الفزاري فقال له عمر رحمه الله حين وفد عليه: لمن كنت حاكماً؟ فقال: أعفني يا أمير المؤمنين فو الله لو أظهرت اليوم شيئاً لعادت الحكومة جذعة. قال: صدقت بهذا العقل حكمت بدر. قال: والله لناس يرون أنه قال لعلقمة: والله لبيان عامر أشهر منكم في العرب. وقال لعامر: أتنافر علقمة وأنت أعور عاقر، لا والله ما رآهما ولا رأياه، ولئن شئت لتسمعن قائلاً يقول: أنتما كركبتي الجمل الأدرم. ولو قال هذا لادعي كل واحد منهما أنه المعني ولتفانا جذماهما ولكنهما قد تهاترا ببابه فحكاه من لا يعلم عن من لا يعلم عن هرم. يقول: تنافر فنفر فلان فلاناً، والحاكم ينفر أفضلهما.

والقعقاع بن معبد بن زرارة. وكان خالد بن مالك النهشلي أراد حاجباً حين دعا إلى المنافرة، وكان حاجب أحلم قومه فأبي فبلغ ذلك القعقاع بن معبد فأتاه فقال: هلم إلي أنا أنافرك ودع الشيخ فقال: أنافرك عن ندينا، فقال القعقاع: لا بل عن الآباء والأبدان. فقال: خالد بن مالك: قم فتنافرا إلى ربيعة بن حذار الأسدي. فقال حاجب للقعقاع: يا ابن أخي قد كرهت ما صنعت ولكن هذه ثلاثمائة بعير فاركبها فأطعم واعقر واعبط للنفور مائة. وكانوا كذلك يفعلوا في الجاهلية. فخرج القعقاع وتبعه أبو زرارة، وخرج خالد بن مالك: وتبعه سلمى بن جندل بن نهشل، فتحاكما إلى ربيعة بن حذار فجهد أن يتكافآ فأبيا. وكان عدلاً عاقلاً.

فقال النهشلي: أطعمت في جدب من أكل، وأعطيت يوماً من سأل، وطعنت فارساً فشككت فخذيه.

فقال القعقاع: جدى زرارة وعمى حاجب وأبي معبد.

فقال ربيعة بن حذار:

إن السماح والندى والباع

فإن بهن جمع القعقاع

وقال: إني نفرت من كان جده زرارة وعمه حاجباً وأبوه معبداً.

فانطلق خالد بن مالك فأغار على إبل نفورة ربيعة فذهب بها، وجاء بها إلى إبله وكانا وضعا إبلهما في رحل امرأة ليرضيها بما حكم عليهما فأخذها من عندها.

وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر نافر زبان بن منظور بن سيار الفزاري إلى العز الكاهنة، كاهنة نجران فرحلا إليها.

فقال زبان: أنا ابن منظور.

فقال عيينة: أنا ابن حصن.

فقال زبان: أنا ابن سيار.

فقال عيينة: أنا ابن حذيفة.

فقال زبان: أنا ابن عمرو.

فقال عيينة: أنا ابن بدر.

فقال زبان: أنا ابن جابر.

فقال عيينة: أنا ابن الجون.

فقال زبان: أنا أم عمرو.

فقال عيينة: عليه. فلم يرض، وكان يقال: إن بدر بن عمرو ابن الجون الكندي، وإن عيينة لما اعتزى إلى الجون وكان معتليا لزبان، فلما ترك نسبه في بني فزارة وفخر بفخر غيره قالت: افتخرت بفخر ليس لك وتركت ما في يديك، فكأنما نفرت زبان، فطلب زبان المائة النفورة فقال عيينة: أنا أفضل منك نفساص وأباص ولكنها جارت، فقال زبان:

أتثلب حرة بقيت يداها ... عيينة تمنع اللخواء تفرى

شربت المجد من غطفان حتى ... تفاخرني بزينة أم عمرو

ألما تعلمي أني كريم ... أغر لصلب سيار بن عمرو

فقال عيينة:

إنا لنعلم ما أبوك بجابر ... فالحق بأهلك من بني دودان

حالت بكم أمة لنضلة وابنه ... فسقت بزينتها أبا زبان

واعتزل جرول بن أوس الحطيئة فنفر عيينة فقال:

أبي لك آباء أبي لك مجدهم ... سوى المجد فانظر صاغراً من تنافره

قبور أصابتها السيوف ثلاثة ... نجوم هوت في كل نجم مزابره

فقبر بأجبال وقبر بحاجر ... وقبر القليب أسعر الحرب ساعره

<<  <   >  >>