للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما سيف بن ذي يزن فإنه لما غلب الأحبوش على اليمن وملكها فطال ذلك حتى توالدوا بها، أتى هرقل يستمده عليهم فوعده أن يفعل، فقال له نصحاؤه: تعين رجلاً ليس على أهل دينك يقتلهم لا تؤيسه ولا تطعمه فأريثه عنهم؟ فمكث عندهم تسع سنين حتى تركه ولحق بكسرى من أكاسرة فارس فأتى عاملاً من العرب غريباً فكان ذريعته إليه حتى دخل عليه فلما دخل طأطأ رأسه، فقال الملك: إن هذا الأحمق يدخل من باب فوقه بكذا وكذا فيطأطئ رأسه ففسر له ذلك فقال: إنما طأطأت رأسي لهمي إنه يضيق عنه كل شئ وشكا إليه وقال: إنما يكفيني من المدد قدر السماع وإذا وقعت في بلادي أتيتهم من الرجال بما شاءوا، فوعده أن يمده فقال له نصحاؤه: أتعمد إلى قوم من رعيتك وبلادك فتطوح في فلاة، إنما تشرب الخيل والشفاه من أمثال عيون الديكة وبالحرى أن هي أدفنت أن يهلك جيشك، فقال: لا أخلفه ما وعدته وأبي إلا أن يتم له على الوفاء. قالوا: قلنا ها هنا حيلة ويصدق الملك في شجونك أقوام قد استحقوا القتل، وقوم قد أفسدوا في الأرض فتجمعهم وتمنعهم واستعمل عليهم شيخاً قد نفد أجله، ثم تجمعهم في البحر فهو أهون للمؤنة فإن هلكوا كنت قد كففت عن رعيتك شيئاً، وإن نجوا وظفروا كان ظفرهم لك، فذهب إلى شط دجلة فهيئت لهم السفن، وحمل فيها ما يصلحهم ويصلح دوابهم وبعث إلى أصحابه في البلدان فجمع نحواً من ألف ومائتين، وقدموا وقد هيئت لهم المراكب واستعمل عليهم شيخاً كبيراً قد سقط حاجباه عل عينيه ودفع إليه حلة ديباج منسوجة بالذهب والجوهر، ورايتين وقفازين وقلنسوة. وقال له: إذا ظفرت فارفع أهل البلد فاسألهم أهوابن ملكهم كما قال، فإن كان كذلك فادفع إليه الحلة وجملة الخراج، وإن كان كاذبا فاقتله واجب الخراج حتى يأتيك أمري، فكرب حتى إذا كانت بسيف أرجان قال بعضهم: أنت غررتنا، وقالوا: احملوا سفنكم على هذا الجسر فاكسروها ففعلوا وبقي معه سبعمائة أو أكثر قليلا، فلما بلغوا القليس وهو بناء بنته الحبشة يحجونه، قال زهرز: أين أنصارك الذين زعمت للملك أنك تأتي بهم إذا وقعت في أرضك؟ قال: إن كل قوم منهم وثبوا على من فيهم من الحبشة فشغلوهم عنك فقتلوهم، وبلغ قائد الحبشة الذي بصنعاء سيرهم فوجه إليهم عدداً كثيراً فتلقوهم بصنعاء فقاتلهم وهرز وأصحابه، وقال وهرز: أروني رئيسهم فاسمتوا لي سمته بنشابه فإن في بصرى ضعفاً، ورفع حاجبيه بحريرة ففعلوا فرماه ففلق جبهته وهو على بعير، فلما خر انهزموا، وأخذ كل واحد ممن بقي عوداً أو خشبة أو ما وجدوا ووضعوه في أفواههم يستأمنون بذلك، ودخل آلاف حائطا أو بناء فأخذهم فقتلهم جميعا وزعم أهل اليمن أن أنصار سيف قد كانت أتته، ولولا ذلك ما قامت سبعمائة لستين ألف أو نحوها، ووثب كل قوم على من فيهم من الحبشة فأبادوهم فلما دخل وهرز صنعاء دعاهم فقال: ما سيف فيكم؟.

قالوا: ابن أملاكنا وأشرفنا أدرك لنا بثأرنا. فدفع إليه الحلة وخلاه والخراج والعمل ثم لم بلبث وهرز أن مات.

فبلغ كسرى أن سيفاً يتناول النساء فكتب إليه يعزم عليه الإقدام عليه ففعل.

فقال: أيسرك أن تخلف بعقبك في حرمك؟.

ففطن فقال: لست بعائد. فقال: ارجع إلى عملك. فرجع فلم يزل اليمن في يدي فارس حتى بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وباذان عامل أبروان عليها وفيروز ودادويه قائدان معه.

وقال: أمية بن أبي الصلت في كلمة له لسيف:

ليطلب الوتر أمثال ابن ذي يزن ... لجج في البحر للأعداء أحوالا

أتى هرقل وقد شالت نعامته ... فلم يجد عنده القلو الذي قالا

ثم انتحى نحو كسرى بعد تاسعة ... من السنين لقد أبعدت إيغالا

حتى أتى ببني الأحرار يحملهم ... حملا لعمري لقد أسرعت إرقالا

ومثل كسرى وباذان الجنود له ... ومثل وهرز يوم الجيش إضلالا

لله درهم من عصبة خرجوا ... ما إن رأينا لهم في الناس أمثالا

غلباً جحا جحة بيضاً مرازبة ... أسداً ترقص في الغيضات أشبالا

يرمون عن شدف كأنها غبط ... في زمخر يعجل المرمى إعجالا

أرسلت أسداً على سود الكلاب فقد ... أمسي شريدهم في الأرض ضلالا

<<  <   >  >>