للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يفهمون فلسفة أفلاطون وَلَا يقيسون أفكارهم وآراءهم بمنطق أرسطو بل لَو عرض أقرب المعقولات إِلَى الْعُقُول عَلَيْهِم بأوضح عبارَة يُمكن أَن يأتى بهَا معبر لما أدركوا مِنْهَا إِلَّا خيالا لَا أثر لَهُ فى تَقْوِيم النَّفس وَلَا فى إصْلَاح الْعَمَل فَاعْتبر هَذِه الطَّبَقَات فى حَالهَا الَّتِى لَا تفارقها من تلاعب الشَّهَوَات بهَا ثمَّ أنصب نَفسك واعظا بَينهَا فى تَخْفيف بلَاء سَاقه النزاع إِلَيْهَا فأى الطّرق أقرب إِلَيْك فى مهاجمة شهواتهم وردهَا إِلَى الِاعْتِدَال فى رغائبها من البديهى أَنَّك لَا تَجِد الطَّرِيق الْأَقْرَب فى بَيَان مضار الْإِسْرَاف فى الرغب وفوائد الْقَصْد فى الطّلب وَمَا ينحو نَحْو ذَلِك مِمَّا لَا يصل إِلَيْهِ أَرْبَاب الْعُقُول السامية إِلَّا بطويل النّظر وَإِنَّمَا تَجِد أقصد الطّرق وأقومها أَن تأتى إِلَيْهِ من نَافِذَة الوجدان المطلة على سر الْقَهْر الْمُحِيط بِهِ من كل جَانب فتذكره بقدرة الله الذى وهبه مَا وهب الْغَالِب عَلَيْهِ فى أدنى شئونه إِلَيْهِ الْمُحِيط بِمَا فى نَفسه الْآخِذ بأزمة هممه وتسوق إِلَيْهِ من الْأَمْثَال فى ذَلِك مَا يقرب إِلَى فهمه ثمَّ تروى لَهُ مَا جَاءَ فى الدّين المعتقد بِهِ من مواعظ وَعبر وَمن سير السّلف فى ذَلِك الدّين مَا فِيهِ أُسْوَة حَسَنَة وتنعش روحه بِذكر رضَا الله إِذا استقام وسخطة عَلَيْهِ إِذا تقحم عِنْد ذَلِك يخشع مِنْهُ الْقلب وتدمع الْعين ويستخذى الْغَضَب وتخمد الشَّهْوَة وَالسَّامِع لم يفهم من ذَلِك كُله إِلَّا أَنه يرضى الله وأولياءه إِذا أطَاع ويسخطهم إِذا عصى ذَلِك هُوَ الْمَشْهُود من حَال الْبشر غابرهم وحاضرهم ومنكره يسم نَفسه أَنه لَيْسَ مِنْهُم كم سمعنَا أَن عيُونا بَكت وزفرات صعدت وَقُلُوبًا خَشَعت لواعظ الدّين وَلَكِن هَل سَمِعت بِمثل ذَلِك بَين يدى نصاح الْأَدَب وزعماء السياسة مَتى سمعنَا أَن طبقَة من طَبَقَات النَّاس يغلب الْخَيْر على أَعْمَالهم لما فِيهِ من الْمَنْفَعَة لعامتهم أَو خاصتهم وينفى الشَّرّ من بَينهم لما يجلبه عَلَيْهِم من مضار ومهالك هَذَا أَمر لم يعْهَد فى سير الْبشر وَلَا ينطبق على فطرهم وَإِنَّمَا قوام الملكات هُوَ العقائد والتقاليد وَلَا قيام للأمرين إِلَّا بِالدّينِ فعامل الدّين هُوَ أقوى العوامل فى أَخْلَاق الْعَامَّة بل والخاصة وسلطانه على نُفُوسهم أَعلَى من سُلْطَان الْعقل الذى هُوَ خَاصَّة نوعهم

قُلْنَا إِن منزلَة النبوات من الِاجْتِمَاع هى منزلَة الْعقل من الشَّخْص أَو منزلَة

<<  <   >  >>