للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عزب عقل ابن السيرافي ها هنا، وجاء بهوس من الكلام لا يشبه بعضه بعضاً ولا يلائمه، وذلك لجهله بأحوال العرب الجاهلية والإسلامية وما بين ذلك.

متى لحق مقاس العائذي يزيد بن معاوية وهو في الجاهلية الجهلاء، وقد رثى شريك بن عمرو أبا الحوفزان، ولم يدرك الحوفزان الإسلام. وهو القائل في شريك بن عمرو:

عين بكي فتى الحروب ابن عمروٍ ... واندبيه فقد رزئت جليلا

يا نديم الملوك يسقى بكأس الر ... ري لا مترفاً ولا مملولا

وإنما أبيات مقاس هي أبيات فخر ببني شيبان، افتخر بها وهو من عائذة قريش، إلا أن عداده في بني شيبان. والأبيات:

فدىً لبني ذهل بن شيبان ناقتي ... إذا كان يومٌ ذا كواكب أشهب

إذا الكشح أمسى مقشعراً كأنه ... متمٌّ بآلافٍ من الخيل مقرب

أشصت بنا كلب شصوصاً وأوجهت ... على وافدينا بالجزيرة تغلب

أطارت قطاة الهد من كل جانب ... فكاد المنادي بالأنام يغلب

ترى الخيل تردي حاظلاتٍ كأنما ... عليهن آجام السواد المقصب

يذاد بها عن نسوةٍ غير فحشٍ ... وأثلاب شيخ كان ما إن يسبب

ومن لا يجد مستنبياً لجبينه ... بنابٍ لنا مستقدم القرن أشيب

ومن لا يقوم بيته أهل عزه ... يقم بيتنا عزٌّ عزيز مؤرب

ومن يك منهم نائياً عن نصابه ... فإن نصابي فيهم لمركب

أصب عليهم بالثناء كأنني ... إذا جن ليلٌ شائقٌ متطرب

وإن حياتي علقت بحياتهم ... وفي هالكيهم طائري يتسقب

[قال ابن السيرافي قال رؤبة]

لولا ارقي على الأشراف

ألحمتني في النفنف النفناف

في مثل مهوى هوة الوصاف

قولك أقوالاً مع التحلاف

فيها ازدهافٌ أيما ازدهاف

والله بين القلب والأضعاف قال: الهوة: الوهدة، والمهوى: ما بين أعلى الشيء وأسفله، والوصاف: رجل من أهل البادية، أضاف الهوة إليه.

قال س: هذا موضع المثل:

شر المعينين إذا استعنته

شيخ إذا نبهته حك استه

قول ابن السيرافي: الوصاف ها هنا رجل من أهل البادية يدل على أنه كان ضعيفاً في علم النسب. وقوله الهوة: الوهدة، يدل أيضاً على ضعفه - كان - في معرفة منازل العرب ومناهلها. وأي فائدة في قوله: إن الوصاف رجل من أهل البادية، وسواء كان بدوياً أو حضرياً - إذا لم تعرف اسمه وسببه.

هوة الوصاف في شعر رؤبة دحلٌ بالحزن لبني الوصاف من بني عجل. والوصاف: هو مالك بن عامر بن كعب بن سعد بن ضبيعه بن عجل بن لجيم. وهوة الوصاف: مثل في العرب، يستعملونه في الدعاء على الإنسان، وأنشد للهدار بن حكيم يدعو على مقرف:

من غال أو أقرف بعض الإقراف

فخصه الله بحمى قرقاف

وبحميمٍ محرقٍ للأجواف

والزمهرير بعد ذاك الزفزاف

وكبه في هوة ابن الوصاف

حتى بعد قبره في الأجداف

ما لك عندي كدرٌ ولا صاف

إلا دعاء الله غير مجتاف

هو الذي يخلق ما في الأضعاف

وعلم الخط بميمٍ أو كاف

[قال ابن السيرافي قال أبو ثروان، ويروى للمعلوط ابن بدل]

إن الغزال الذي ترجون غرته ... جمعٌ يضيق به العتكان أو أطد

مستحقبي حلق الماذي يحفزها ... بالمشرفي وغابٌ فوقها حصد

العتكان: تثنية اسم موضع، وأطد معطوف عليه، والماذي: الدروع، في كلام يشبه هذا الهوس.

قال س: هذا موضع المثل: ليس المرء في شيء ولا اليربوع في شيء لا أبو ثروان من هذا الشعر في شيء ولا المعلوط، إنما هو للزبرقان بن بدر. ولم يذكر ابن السيرافي أيضاً من تفسيره ما يدل على شيء فيه فائدة، وذلك أنه لم يعرف قصته، ومثل هذا الشعر إذا لم تعرف قصته لم يعرف معناه البتة.

وكان من قصة هذا الشعر، أن النبي عليه وآله الصلاة والسلام بعث الزبرقان بن بدر على صدقات عوف بن كعب، وعبشمس بن سعد، وامرئ القيس ابن زيد مناة. فقبض النبي صلى الله عليه وآله وقد اجتمعت في يده إبل كثيرة من الصدقة، فارتدت قبائل وسعاة من سعاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذهبوا بما كان في أيديهم.

<<  <   >  >>