للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل أخٍ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان

قال: يعني أن كل اثنين يحب أحدهما الآخر سيقطع عنه، وإن كان ضنيناً به، شديد التمسك بإخائه، في كلام يشبه هذا.

قال س: هذا الذي ذكره ابن السيرافي في هذين البيتين لا يكاد يشفي، إلا بعد أن يعرف ما قبلهما، فإنهما مثلٌ ضربه للتسلي عمن فجع به من إخوانه وعشائره. وقبلهما:

وذي فجعٍ عزفت النفس عنه ... حذار الشامتين وقد شجاني

أخي ثقةٍ إذا ما الليل أغسى ... إلى تمريد حبلي قد كفاني

قطعت قرينتي عنه فأغنى ... غناه فلن أراه ولن يراني

وكل قرينة قرنت بأخرى ... وإن ضنت بها ستفرقان

وكل أخٍ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلا الفرقدان

[قال ابن السيرافي قال الأخطل]

كذبتك عينك أم رأيت بواسطٍ ... غلس الظلام من الرباب خيالا

قال ابن السيرافي: واسط موضع بنواحي الشام.

قال س: غلط ابن السيرافي في هذا، ليس بنواحي الشام موضع يقال له واسط، واسط ها هنا: واسط الجزيرة. وأخبرني أبو الندى قال: للعرب سبعة أواسط: وساط نجد، وهو الذي ذكره خداش بن زهير:

عفا واسط أكلاؤه فمحاضره ... إلى حيث نهياسيله فصدائره

وواسط الحجاز، هو الذي ذكره كثير:

أجدوا فأما آل عزة غدوةً ... فبانوا، وأما واسطٌ فمقيم

وواسط الجزيرة، وهو الذي ذكره الأخطل في البيت الذي مر آنفاً، وفي بيته الآخر:

عفا واسطٌ من آل رضوى فنبتلٌ ... فمجتمع الحرين فالصبر أجمل

وواسط اليمامة، وهو الذي ذكره الأعشى في شعر.

وواسط العراق. وقد أنسيت اثنين.

[قال ابن السيرافي قال فروة بن مسيك]

فإن نهزم فهزامون قدماً ... وإن نغلب فغير مغلبينا

وما إن طبنا جبنٌ ولكن ... منايانا ودولة آخرينا

قال: قوله " فإن نهزم فهزامون قدماً " يقول: إن انهزمنا في هذه الوقعة، فقد هزمنا الناس قبلها مراراً كثيرة. مع كلام يشبه هذا لا يدل على معنى البيت.

قال س: هذا موضع المثل:

فهيهات القرارة أن تراها ... أتى من دونها القدر المتاح

بعيد على المستفيد معرفة معنى قوله " فإن نهزم " وأنه لم اعترف بالانهزام مع ما فيه من العار - إذا لم يعرف القصة. وكنت قد ذكرت لك أن الشعر إذا كان متعلقاً بقصة، فإن أصحاب المعاني لا يقدرون على استخراج معناه إلا بها.

وكان من قصة هذا الشعر: أنه كان صنم مراد في أعلى وأنعم وهما بطنان من مراد، فقالت أشرافٌ من مراد: ما بال آلهتنا لا تكون في عرانيننا. . فأرادوا انتزاع الآلهة منهم. فخرجوا منهم فأتوا على بني الحارث فاستجاروا بهم، وأرسلت مراد إلى بني الحارث: أن أخرجوا إخوتنا من داركم، وابعثوا إلينا برجلين منكم لنقتلهما بصاحبنا - وكانت مراد تطلب بني الحارث بدم - فلما رأى الحصين بن يزيد بن قنان أن مراداً قد ألحت في طلب أصحابهم، هابهم وعلم أنه لا طاقة له بهم.

وكانت مراد إذا قتل منهم رجل قتلوا به رجلين، وكانوا لا يأخذون الدية إلا مضاعفة. فسار حصين بن يزيد وهو رئيس بني الحارث إلى عمير ذي مران، فسأله أن يركب معه إلى أرحب فيصلح بينه وبينهم، ويسألهم الحلف على مراد.

فقال الحصين: يا معشر أرحب، إني لست بأسعد - بهلاك مراد منكم، وكانت أرحب تغاور مراداً قبل ذلك، فحالفته أرحب، وغدوا: فسار حصين بن يزيد بن الحارث، وسارت البادية من همدان وعليهم يزيد بن ثمامة الأرحبي الأصم. وأقبلت مراد كأنهم حرة سوداء يدفون دفيفاً، وعليهم الحارث بن ظبيان المثلم وكان يكنى أبا قيس الأنعمي.

فاقتتلوا بموضع يقال له الرزم إلى جنب أياء قتالاً شديداً، فتضعضعت بنو الحارث، وأقبل عليهم الحصين فقال: يا بني الحارث، والله لئن لم تضربوا وجوه مراد بالسيوف حتى يخلوا لكم العرصة لأتركنكم تنفلون في العرب.

ثم أقبل على بادية همدان فقال: يا معشر همدان، الصبر الصبر، لا تقول مراد إنا لجأنا إلى عدد همدان وعزها فلم يغنوا عنا.

<<  <   >  >>