للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الراوي: فلمّا جَفَّ جُف ذلكَ الواسقِ، وانكفَ كَفّ ذيّالك الخاسق، قلتُ له: أنا مِمَّنْ يَحْملُ بُكاءَ المَطَر، لانتظارِ ضَحِكَ الزَّهَر، ويدخل تحتَ عبءٍ هذا الحَذَرِ، لعَلِّ عُبابِ هذا النَّهَرِ، فهل لكَ في المرافقةِ إليهَا، وخَلْع خِلَع هذهِ المُصاحبةِ عليها، فقال اذهَبْ رُزْقتَ منَ القَبولِ أجَلّهُ، وطيبِ نَسيم هذِي المسايرةِ أحلَّهُ، ولا تولني سَح إلحاحِكَ وطَلَّهُ، واتركني تركَ ظُبِيّ ظِلّهُ فحينَ قَنْطِتُ من مصاحبتهِ، وعلمتُ أنْ لا طمعَ في معاقرتهِ، استنهضتُ ولَدَهُ، لنصرٍ جرَّتي، وثقب بِلج نجوم مجرَّتي، فقال لي: الآنَ وقعتُ في حِبالتك، وتبعتُ جَرّ جرير حيلَتِكَ، وها أنا قَدِ امتريتُ مُرَّ أمركَ بَعْدَ المَناهي، وخَلَعْتُ بَيْعةَ الإباءَ المُباهي، فستذكرون ما أقولُ لكم وأفوِّضُ أمري إلى الله، ثم إنَّهُ أخذَ في المسير، بَعد بُعْد انقيادِهٍ العَسير، إلى أنْ رضخْنا بحُسنِ الاتفاقِ، وأنخنَا بها كَلاكَل النِّياق، ولمّا مالَ ابنهُ لمَا أمّلَهُ، واَسترألَ لتحصيل ما تأمّلَهُ، واندرأتْ فوائدُهُ تنثالُ، ووجبَ لأوامرهِ الامتثالُ، وضُربَتْ بفضْلِه الأمثالُ، رَضِعْنا مرارةَ أليمِها وطعِمْنا حرارةَ مُليمها، وسمِعْنا من نَجاسةِ وخَيمها ما يَشْهَدُ بخَساسةِ خيمها، فأبرقَ لذلك وأرعدَ، وسَحَّ مُسْبِلُ حُرَقِهِ وأرعدَ، وحَرَّقَ آرِمَه وشدَّدَ، وخرَّقَ صيدارَ تصبُّرهِ وأنشدَ: الكامل.

ساعِدْ سَليلَك إنْ سَقَط ... بَيْنَ الأسافِل والسَّقَطْ

واحرسْ حِمَاهُ ولا تكُنْ ... ممَّنْ يذِلُّ إذا قنط

واركبْ ليوم قتالهِ ... قُبّاً تَشُن إذا هبط

وكُنِ الرَّبيط فإنّما ... يحمي الحقيقةَ مِنْ رَبط

وابغ الكفاحَ لنَصْرهِ ... إنْ شاط ظلماً بالشطط

وذَرِ الظُّلامَةَ هَلْ تَرَى ... نالَ السَّلامةَ منْ سَقَطْ

ودَع الطِّماحَ فما نَرَى ... دَعَّ المطَامع مَنْ سَقَط

فأحفظ فديتُكَ حِكْمةً ... تُربي على دُرِّ السَّفَط

لولا التكرُّم والنُّهي ... حسَدَ المُفضّلَ مَنْ غبط

فالفذ مَنْ وَجَدَ العُلى ... سلْكاً يسُوِّدُ فانخرطْ

ثم إنَه تخمّطَ في غَضَبهِ ورَفَلَ، وتقمط بحمالةِ غَضَبهِ وقَفلَ، وقَدَعني وأفَلَ، وودَعَني بها ومَا احتفلَ.

المقامةُ الثامنةُ والثلاثونُ المَوْصليَّةُ

<<  <   >  >>