للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا تمدَّ لجمِّ الجُودِ جارحةً ... فالحُر تكرهُ حَمْلَ المَنِّ عاتقُه

واخترْ لنفسِكَ جأشاً لا يُفارقُها ... فالوغدُ تشبههُ في الرَّوْع عاتقِهُ

ولا تَبِتْ بفراش الإفكِ تَخْلُقُهُ ... فالإفكُ يدنو لثوبِ المجدِ يُخلقُهُ

ومَنْ يجمِّعُ مالا لا يمزِّقُهُ ... يجولُ فيهِ معَ الدنيا يُمزًّقُهُ

فالحزمُ عندي لِمَنْ أَمْسَى وخَاطِرهُ ... مُحَقِّق أنَّ جودَ اللهِ رازقُهُ

قال القاسمُ بنُ جريالٍ: فلمّا لَسِبَ حلاوةَ محاضرتهِ، وسَلَبَ لبَّهُ بمحاسنِ عظاتِهِ، وجَلاَ لدينا عرائسَ راحتهِ، وتلا علينا سُوَر صُحُفِ فصاحتهِ، أقمْنَا عندَهُ تَتِمَّةَ الغَسَقِ، مسرورين بحُسْنِ النَّسَقِ، ولما نتجَ الليلُ الصباحَ، وتلجْلَجَ لسانُ السَّمرِ بعدَ ما أَفْصَح وباحَ، نهضنَا ذلكَ التّسديس، إلى امتطاءِ الدِّرفْسَةِ والسَّديس، يَغْمُرُ كلّ بدَمْعِهِ العَبيطِ، أرجاءَ غاربهِ والغَبيطِ، غِبَّ أنْ غَضَضْنَا لديهِ راحَ المصاحبةِ فَأبَى، وعَرَضْنا عليهِ دروعَ المعادلةِ فنبا، وسألناهُ فَكّ ذيّاكَ الحُبَا فما حبا، ثم إنّهُ فكّر وارتأى، فيما رامهِ ورأى، ونفرَ نفورَ اللائي، ووثَبَ وثوبَ الوائي، وعاود ذلِكَ المُنتأَى، وودَّعنا وانتأى.

المقامةُ التاسعةَ عشرةَ القُدْسيَّةُ

أخبرَ القاسمُ بنُ جريال: قالَ: دعاني أوانَ غابَ الغباوةِ المغمورِ، إلى بيتِ المقدس المعمورِ، كفُّ زندِ الزمنِ الغَرورِ، ومُحيْعَلُ الطمَع مِنْ منارة الغُرورِ، فكتمت لذلكَ الغرض ما خفيْتُ، وأظهرتُ لَهُ ما كنتُ أخفتُ، ثمَّ أرخيتُ شُرُعَ الامتيار، وانتحيتُ لاختبارِ تلاتلِ الاختيارِ، وصِرْتُ بعُروض حَميدةِ الإحماض وعروض عريضةِ الأعراض، إلى أنْ أنْختُ بِها كلكل الكلالِ، ونفختُ في نار وقود ذلك الاستقلالِ، ثم بادرتُ قبلَ اتخاذِ الغرفةِ المنيفة، إلى زيارَةِ الصخرةِ الشريفةِ وحينَ صارمتُ مصاحبةَ الأمزارِ، وأمَّلتُ حَطّ حقائبِ الأوزارِ، أقبلْتُ على المبيع وأخذتُ في عَبِّ ربيع ذيّاكَ الربيع، وكنْتُ مَعَ ذلك الإلهام، ورَفْع تِيجانِ هذه الهام، عازماً على مجاورةِ صخرتهِ، طامعاً في اقتناءِ ثَوابِ آخرتهِ، فَيسَّرَ اللهُ ما ارتجْيتُهُ، وقدّمَ القدرُ القدمَ الذي أرجيتُهُ، فلمّا انقضتْ مدةُ الأسبوع، وبَقي لبزوغ شمس الخطابةِ مسافةُ الأصبوع قصدْتُ المصلّى وصلّيتُ بحلَبةِ المبادرةِ مَعْ مَنْ صَلّى، وعندَ ما استبانَ طلوعُ الخاطب، وبانَ ظهورُ حفول المصاطِبِ، برزَ ساعياً عَلى حسامه، راقياً، إلى مراقى مَقامه، فحينَ وعَى الآذانُ، ودَعَا لدَعوةِ طيبِ خطبتهِ الآذانُ، عطفَ لشغْلِ يدهِ وقال، واَستوَى قائماً على صَمْصامه وقالَ:

<<  <   >  >>