للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَذَا من أحسن الْكَلَام وَهُوَ دَلِيل على معرفَة قَائِله وبصيرته بالأرواح وأحكامها

وَأَنت ترى الرجل يسمع الْعلم وَالْحكمَة وَمَا هُوَ أَنْفَع شَيْء لَهُ ثمَّ يمر بباطل وَلَهو من غناء أَو شُبْهَة أَو زور أَو غَيره فيصغي إِلَيْهِ وَيفتح لَهُ قلبه حَتَّى يتَأَدَّى إِلَيْهِ فيتخبط عَلَيْهِ ذَلِك الَّذِي سَمعه من الْعلم وَالْحكمَة ويلتبس عَلَيْهِ الْحق بِالْبَاطِلِ فَهَكَذَا شَأْن الْأَرْوَاح عِنْد النّوم وَأما بعد الْمُفَارقَة فَإِنَّهَا تعذب بِتِلْكَ الاعتقادات والشه الْبَاطِلَة الَّتِي كَانَت حظها حَال اتصالها بِالْبدنِ وينضاف إِلَى ذَلِك عَذَابهَا بِتِلْكَ الإرادات والشهوات الَّتِي حيل بَينهَا وَبَينهَا وينضاف إِلَى ذَلِك عَذَاب آخر ينشئه الله لَهَا ولبدنها من الْأَعْمَال الَّتِي اشتركت مَعَه فِيهَا وَهَذِه هِيَ الْمَعيشَة الضنك فِي البرزخ والزاد الَّذِي تزَود بِهِ إِلَيْهِ

وَالروح الزكيه العلوية المحقة الَّتِي لَا تحب الْبَاطِل وَلَا تألفه بضد ذَلِك كُله تنعم بِتِلْكَ الاعتقادات الصَّحِيحَة والعلوم والمعارف الَّتِي تلقتها من مشكاة النُّبُوَّة وَتلك الإرادات والهمم الزكية وينشئ الله سُبْحَانَهُ لَهَا من أَعمالهَا نعيما ينعمها بِهِ فِي البرزخ فَتَصِير لَهَا رَوْضَة من رياض الْجنَّة ولتلك حُفْرَة من حفر النَّار

فصل وَأما قَول من قَالَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ عِنْد الله تَعَالَى وَلم يزدْ على

ذَلِك فانه تأدب مَعَ لفظ الْقُرْآن حَيْثُ يَقُول الله عز وَجل {بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ}

وَقد احْتج أَرْبَاب هَذَا القَوْل بحجج مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغانى حَدثنَا يحيى بن أَبى بكير حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى ذِئْب عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء عَن سعيد بن يسَار عَن أَبى هُرَيْرَة عَن النَّبِي قَالَ إِن الْمَيِّت إِذا خرجت نَفسه يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله عز وَجل وَإِذا كَانَ الرجل السوء يعرج بهَا إِلَى السَّمَاء فانه لَا يفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء فترسل من السَّمَاء فَتَصِير إِلَى الْقَبْر

وَهَذَا إِسْنَاد لَا تسْأَل عَن صِحَّته وَهُوَ فِي مُسْنده أَحْمد وَغَيره

وَقَالَ أَبُو دَاوُد الطيالسى حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن أَبى وَائِل عَن مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ تخرج روح الْمُؤمن أطيب من ريح الْمسك فتنطلق بهَا الْمَلَائِكَة من دون السَّمَاء فَيَقُولُونَ مَا هَذَا فَيَقُولُونَ هَذَا فلَان ابْن فلَان كَانَ يعْمل كَيْت وَكَيْت لمحاسن عمله فَيَقُولُونَ مرْحَبًا بكم وَبِه فيقبضونها مِنْهُم فيصعد بهَا من الْبَاب الَّذِي كَأَن يصعد مِنْهُ عمله فتشرق فِي السَّمَوَات وَلها برهَان برهَان كبرهان الشَّمْس حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى الْعَرْش وَأما الْكَافِر فَإِذا قبض انْطلق بِرُوحِهِ فَيَقُولُونَ مَا هَذَا فَيَقُولُونَ هَذَا فلَان ابْن فلَان كَانَ يعْمل كَيْت وَكَيْت لمساوى عمله فَيَقُولُونَ لَا مرْحَبًا لَا مرْحَبًا ردُّوهُ فَيرد إِلَى أَسْفَل الأَرْض إِلَى الثرى

<<  <   >  >>