للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْجَواب الأول ان حَال الْحَيَاة حَال لَا يوثق فِيهَا بسلامة الْعَاقِبَة لجَوَاز إِن يرْتَد الْحَيّ فَيكون قد آثر بالقربة غير أَهلهَا وَهَذَا قد أَمن بِالْمَوْتِ فَإِن قيل والمهدى إِلَيْهِ أَيْضا قد لَا يكون مَاتَ على الْإِسْلَام بَاطِنا فَلَا ينْتَفع بِمَا يهدى إِلَيْهِ وَهَذَا سُؤال فِي غَايَة الْبطلَان فَإِن الإهداء لَهُ من جنس الصَّلَاة عَلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَار لَهُ وَالدُّعَاء لَهُ فَإِن كَانَ أَهلا وَإِلَّا انْتفع بِهِ الدَّاعِي وَحده

الْجَواب الثَّانِي أَن الإيثار بِالْقربِ يدل على قلَّة الرَّغْبَة فِيهَا والتأخر عَن فعلهَا فَلَو سَاغَ الإيثار بهَا لأفضى إِلَى التقاعد والتكاسل والتأخر بِخِلَاف إبداء ثَوَابهَا فَإِن الْعَامِل يحرص عَلَيْهَا لأجل ثَوَابهَا لينْتَفع بِهِ أَو ينفع بِهِ أَخَاهُ الْمُسلم فبينهما فرق ظَاهر

الْجَواب الثَّالِث أَن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحب الْمُبَادرَة أَو المسارعة إِلَى خدمته والتنافس فِيهَا فَإِن ذَلِك ابلغ فِي الْعُبُودِيَّة فَإِن الْمُلُوك تحب المسارعة والمنافسة فِي طاعتها وَخدمتهَا فالإيثار بذلك منَاف لمقصود الْعُبُودِيَّة فَإِن الله سُبْحَانَهُ أَمر عَبده بِهَذِهِ الْقرْبَة أما إِيجَابا وَأما اسْتِحْبَابا فَإِذا أثر بهَا ترك مَا أمره وولاه غَيره بِخِلَاف مَا إِذا فعل مَا أَمر بِهِ طَاعَة وقربة ثمَّ أرسل ثَوَابه إِلَى أَخِيه الْمُسلم وَقد قَالَ تَعَالَى {سابقوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا كعرض السَّمَاء وَالْأَرْض} وَقَالَ فاستبقوا الْخيرَات وَمَعْلُوم أَن الإيثار بهَا يُنَافِي الاستباق إِلَيْهَا والمسارعة

وَقد كَانَ الصَّحَابَة يسابق بَعضهم بَعْضًا بِالْقربِ وَلَا يُؤثر الرجل مِنْهُم غَيره بهَا قَالَ عمر وَالله مَا سابقني أَبُو بكر إِلَى خير إِلَّا سبقني إِلَيْهِ حَتَّى قَالَ وَالله لَا أسابقك إِلَى خير أبدا

وَقد قَالَ تَعَالَى {وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ} يُقَال نافست فِي الشَّيْء مُنَافَسَة ونفاسا إِذا رغبت فِيهِ على وَجه المباراة وَمن هَذَا قَوْلهم شَيْء نَفِيس أَي هُوَ أهل أَن يتنافس فِيهِ ويرغب فِيهِ وَهَذَا أنفس مَالِي أَي أحبه إِلَى وأنفسني فلَان فِي كَذَا أَي أرغبني فِيهِ وَهَذَا كُله ضد الإيثار بِهِ وَالرَّغْبَة عَنهُ

فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء إِلَى الْمَيِّت لساغ إِلَى الْحَيّ فَجَوَابه من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَنه قد ذهب إِلَى ذَلِك بعض الْفُقَهَاء من أَصْحَاب أَحْمد وَغَيرهم قَالَ القَاضِي وَكَلَام أَحْمد لَا يَقْتَضِي التَّخْصِيص بِالْمَيتِ فانه قَالَ يفعل الْخَيْر وَيجْعَل نصفه لِأَبِيهِ وَأمه وَلم يفرق وَاعْترض عَلَيْهِ أَبُو الْوَفَاء بن عقيل وَقَالَ هَذَا فِيهِ بعد وَهُوَ تلاعب بِالشَّرْعِ وَتصرف فِي أَمَانَة الله واسجال على الله سُبْحَانَهُ بِثَوَاب على عمل يَفْعَله إِلَى غَيره وَبعد الْمَوْت قد جعل لنا طَرِيقا إِلَى إِيصَال النَّفْع كالاستغفار وَالصَّلَاة على الْمَيِّت

<<  <   >  >>