للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَو لم يُنَوّه وَقع الثَّوَاب لِلْعَامِلِ فَلَا يقبل انْتِقَاله عَنهُ إِلَى غَيره فَإِن الثَّوَاب يَتَرَتَّب على الْعَمَل ترَتّب الْأَثر على مؤثره وَلِهَذَا لَو أعتق عبدا عَن نَفسه كَانَ وَلَاؤُه لَهُ فَلَو نقل وَلَاؤُه إِلَى غَيره بعد الْعتْق لم ينْتَقل بِخِلَاف مَا لَو أعْتقهُ عَن الْغَيْر فَإِن ولاءه يكون للْمُعْتق عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو أدّى دينا عَن نَفسه ثمَّ أَرَادَ بعد الْأَدَاء ان يَجعله عَن غَيره لم يكن لَهُ ذَلِك وَكَذَلِكَ لَو حج أَو صَامَ أَو صلى لنَفسِهِ ثمَّ بعد ذَلِك أَرَادَ أَن يَجْعَل ذَلِك عَن غَيره لم يملك ذَلِك وَيُؤَيّد هَذَا أَن الَّذين سَأَلُوا النَّبِي عَن ذَلِك لم يسألوه عَن إهداء ثَوَاب الْعَمَل بعده وَإِنَّمَا سَأَلُوهُ عَمَّا يَفْعَلُونَهُ عَن الْمَيِّت كَمَا قَالَ سعد أينفعها أَن أَتصدق عَنْهَا وَلم يقل أَن أهْدى لَهَا ثَوَاب مَا تَصَدَّقت بِهِ عَن نَفسِي وَكَذَلِكَ قَول الْمَرْأَة الْأُخْرَى أفأحج عَنْهَا وَقَول الرجل الآخر أفأحج عَن أَبى فأجابهم بِالْإِذْنِ فِي الْفِعْل عَن الْمَيِّت لَا بإهداء ثَوَاب مَا عملوه لأَنْفُسِهِمْ إِلَى موتاهم فَهَذَا لَا يعرف أَنه صلى سُئِلَ عَنهُ قطّ وَلَا يعرف عَن أحد من الصَّحَابَة أَنه فعله وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَل لفُلَان ثَوَاب عَمَلي الْمُتَقَدّم أَو ثَوَاب مَا عملته لنَفْسي

فَهَذَا سر الِاشْتِرَاط وَهُوَ افقه وَمن لم يشْتَرط ذَلِك يَقُول الثَّوَاب لِلْعَامِلِ فَإِذا تبرع بِهِ وأهداه إِلَى غَيره كَانَ بِمَنْزِلَة مَا يهديه إِلَيْهِ من مَاله

فصل وَأما قَوْلكُم لَو سَاغَ الإهداء لساغ إهداء ثَوَاب الْوَاجِبَات الَّتِي تجب على

الْحَيّ فَالْجَوَاب أَن هَذَا الْإِلْزَام محَال على أصل من شَرط فِي الْوُصُول نِيَّة الْفِعْل عَن الْمَيِّت فَإِن الْوَاجِب لَا يَصح أَن يَفْعَله عَن الْغَيْر فَإِن هَذَا وَاجِب على الْفَاعِل يجب عَلَيْهِ أَن ينوى بِهِ الْقرْبَة إِلَى الله

وَأما من لم يشْتَرط نِيَّة الْفِعْل عَن الْغَيْر فَهَل يسوغ عِنْده أَن يَجْعَل للْمَيت ثَوَاب فرض من فروضه فِيهِ وَجْهَان قَالَ ابو عبد الله بن حمدَان وَقيل إِن جعل لَهُ ثَوَاب فرض من الصَّلَاة أَو صَوْم أَو غَيرهمَا جَازَ وأجزأ فَاعله

قلت وَقد نقل عَن جمَاعَة أَنهم جعلُوا ثَوَاب أَعْمَالهم من فرض وَنقل للْمُسلمين وَقَالُوا نلقى الله بالفقر والإفلاس الْمُجَرّد والشريعة لَا تمنع من ذَلِك فالأجر ملك الْعَامِل فغن شَاءَ أَن يَجعله لغيره فَلَا حجر عَلَيْهِ فِي ذَلِك وَالله أعلم

فصل وَأما قَوْلكُم إِن التكاليف امتحان وابتلاء لَا تقبل الْبَدَل إِذْ الْمَقْصُود

مِنْهَا عين الْمُكَلف الْعَامِل إِلَى آخِره

<<  <   >  >>