للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَمَعْلُوم أَنَّهَا لَو كَانَت قديمَة غير مخلوقة لكَانَتْ مستغنية بِنَفسِهَا فِي وجودهَا وصفاتها وكمالها وَهَذَا من ابطل الْبَاطِل فَإِن فقرها إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي وجودهَا وكمالها وصلاحها هُوَ من لَوَازِم ذَاتهَا لَيْسَ مُعَللا بعلة فَإِنَّهُ أَمر ذاتي لَهَا كَمَا أَن غنى رَبهَا وفاطرها ومبدعها من لَوَازِم ذَاته لَيْسَ مُعَللا بعلة فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْغنى بِالذَّاتِ وَهِي الفقيرة إِلَيْهِ بِالذَّاتِ فَلَا يُشَارِكهُ سُبْحَانَهُ فِي غناهُ مشارك كَمَا لَا يُشَارِكهُ فِي قدمه وربوبيته وَملكه التَّام وكماله الْمُقَدّس مشارك فشواهد الْخلق والحدوث على الْأَرْوَاح كشواهده على الْأَبدَان

قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس أَنْتُم الْفُقَرَاء إِلَى الله وَالله هُوَ الْغَنِيّ الحميد} وَهَذَا الْخطاب بالفقر إِلَيْهِ للأرواح والأبدان لَيْسَ هُوَ للأبدان فَقَط وَهَذَا الْغنى التَّام لله وَحده لَا يشركهُ فِيهِ غَيره وَقد أرشد الله سُبْحَانَهُ عباده إِلَى أوضح دَلِيل على ذَلِك بقوله {فلولا إِذا بلغت الْحُلْقُوم وَأَنْتُم حِينَئِذٍ تنْظرُون وَنحن أقرب إِلَيْهِ مِنْكُم وَلَكِن لَا تبصرون فلولا إِن كُنْتُم غير مدينين ترجعونها إِن كُنْتُم صَادِقين} أَي فلولا ان كُنْتُم غير مملوكين ومقهورين ومربوبين ومجازين بأعمالكم تردون الْأَرْوَاح إِلَى الْأَبدَان إِذا وصلت إِلَى هَذَا الْموضع أَو لَا تعلمُونَ بذلك أَنَّهَا مَدِينَة مَمْلُوكَة مربوبة محاسبة مجزية بعملها

وَكلما تقدم ذكره فِي هَذَا الْجَواب من أَحْكَام الرّوح وشأنها ومستقرها بعد الْمَوْت فَهُوَ دَلِيل على أَنَّهَا مخلوقة مربوبة مُدبرَة لَيست بقديمة

وَهَذَا الْأَمر أوضح من أَن تساق الْأَدِلَّة عَلَيْهِ وَلَوْلَا ضلال من المتصوفة وَأهل الْبدع وَمن قصر فهمه فِي كتاب الله وَسنة رَسُوله فَأتى من سوء الْفَهم لَا من النَّص تكلمُوا فِي أنفسهم وأرواحهم بِمَا دلّ على أَنهم من أَجْهَل النَّاس بهَا وَكَيف يُمكن من لَهُ أدنى مسكة من عقل أَن يُنكر أمرا تشهد عَلَيْهِ بِهِ نَفسه وَصِفَاته وأفعاله وجوارحه وأعضاؤه بل تشهد بِهِ السَّمَوَات وَالْأَرْض والخليقة فَللَّه سُبْحَانَهُ فِي كل مَا سواهُ آيَة بل آيَات تدل على أَنه مَخْلُوق مربوب وانه خالقه وربه وبارؤه ومليكه وَلَو جحد ذَلِك فمعه شَاهد عَلَيْهِ

فصل وَأما مَا احتجت بِهِ هَذِه الطَّائِفَة فَأَما مَا أَتَوا بِهِ من اتِّبَاع

متشابه الْقُرْآن والعدول عَن محكمَة فَهَذَا شَأْن كل ضلال ومبتدع

فمحكم الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره يدل على أَن الله تَعَالَى خَالق الْأَرْوَاح ومبدعها

وَأما قَوْله تَعَالَى {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} فمعلوم قطعا أَنه لَيْسَ المُرَاد هَا هُنَا بِالْأَمر الطّلب الَّذِي هُوَ أحد أَنْوَاع الْكَلَام فَيكون المُرَاد أَن الرّوح كَلَامه الَّذِي يَأْمر بِهِ وَإِنَّمَا المُرَاد

<<  <   >  >>