للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَفِي تَفْسِير ابْن عُيَيْنَة عَن الرّبيع بن أنس عَن أَبى عالية وَله اسْلَمْ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها قَالَ يَوْم أَخذه الْمِيثَاق

قَالَ إِسْحَاق فقد كَانُوا فِي ذَلِك الْوَقْت مقرين وَذَلِكَ أَن الله عز وَجل أخبر أَنه قَالَ {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَالله تَعَالَى لَا يُخَاطب إِلَّا من يفهم عَنهُ المخاطبة وَلَا يُجيب إِلَّا من فهم السُّؤَال فأجابتهم إِيَّاه بقَوْلهمْ دَلِيل على أَنهم قد فَهموا عَن الله وعقلوا عَنهُ استشهاده إيَّاهُم {أَلَسْت بربكم} فَأَجَابُوهُ من بعد عقل مِنْهُم للمخاطبة وَفهم لَهَا بِأَن {قَالُوا بلَى} فأقروا لَهُ بالربوبية

فصل وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ أَبُو عبد الله بن مَنْدَه اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن

صابر البُخَارِيّ حَدثنَا مُحَمَّد ابْن الْمُنْذر بن سعد الهروى حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن هَارُون المصيصى حَدثنَا عتبَة بن السكن حَدثنَا أَرْطَأَة بن الْمُنْذر حَدثنَا عَطاء بن عجلَان عَن يُونُس بن حَلبس عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ سَمِعت رَسُول الله يَقُول ان الله خلق أَرْوَاح الْعباد قبل الْعباد بألفي عَام فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف فَهَذَا بعض مَا احْتج بِهِ هَؤُلَاءِ

قَالَ الْآخرُونَ الْكَلَام مَعكُمْ فِي مقامين أَحدهمَا ذكر الدَّلِيل على الْأَرْوَاح إِنَّهَا خلقت بعد خلق الْأَبدَان الثَّانِي الْجَواب عَمَّا استدللتم بِهِ

فَأَما الْمقَام الأول فقد قَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} وَهَذَا خطاب للْإنْسَان الذى هُوَ روح وبدن فَدلَّ على أَن جملَته مخلوقة بعد خلق الْأَبَوَيْنِ واصرح مِنْهُ قَوْله {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله} الْآيَة وَهَذَا صَرِيح فِي أَن خلق جملَة النَّوْع الإنساني بعد خلق اصله

فَإِن قيل فَهَذَا لَا يَنْفِي تقدم خلق الْأَرْوَاح على أجسادها وَإِن خلقت بعد خلق أَبى الْبشر كَمَا دلّت عَلَيْهِ الْآثَار الْمُتَقَدّمَة

قيل سنبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَن الْآثَار الْمَذْكُورَة لَا تدل على سبق الْأَرْوَاح الأجساد سبقا مُسْتَقرًّا ثَابتا وغايتها أَن تدل بعد صِحَّتهَا وثبوتها على أَن بارئها وفاطرها سُبْحَانَهُ صور النسم وَقدر خلقهَا وآجالها وأعمالها واستخرج تِلْكَ الصُّور من مادتها ثمَّ أَعَادَهَا إِلَيْهَا وَقدر خُرُوج كل فَرد من أفرادها فِي وقته الْمُقدر لَهُ وَلَا تدل على أَنَّهَا خلقت خلقا مُسْتَقرًّا ثمَّ استمرت مَوْجُودَة حَيَّة عَالِمَة ناطقة كلهَا فِي مَوضِع وَاحِد ثمَّ ترسل مِنْهَا إِلَى الْأَبدَان جملَة بعد جملَة كَمَا قَالَه

<<  <   >  >>