للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّمْيِيز بَين الإعدام المضافة فَإِن الْعقل يُمَيّز بَين عدم السّمع وَعدم الْبَصَر وَعدم الشم وَغير ذَلِك وَلَا يلْزم من هَذَا التَّمْيِيز كَون هَذِه الإعدام مَوْجُودَة بل يُمَيّز بَين أَنْوَاع المستحيلات الَّتِي لَا يُمكن وجودهَا الْبَتَّةَ ثمَّ نقُول إِذا عقل حُلُول الأشكال والمقادير فِيمَا كَانَ مُجَردا عَن الحجمية والمقدار من كل الْوُجُوه أَفلا يعقل حُلُول الْعلم بالشكل الْعَظِيم والمقدار الْعَظِيم فِي الْجِسْم الصَّغِير وَأَيْضًا فَإِذا كَانَ عدم الانطباق من جَمِيع الْوُجُوه لَا يمْنَع من حُلُول الصُّورَة والشكل فِي الْجَوْهَر الْمُجَرّد فَعدم انطباق الْعَظِيم على الصَّغِير أولى أَن لَا يمْنَع من حُلُول الصُّورَة الْعَظِيمَة فِي الْمحل الصَّغِير

وَأَيْضًا فَإِن سلفكم من الْأَوَائِل أَقَامُوا الدَّلِيل على أَن انطباع الصُّورَة الْحَالة فِي الْجَوْهَر الْمُجَرّد محَال وَذكروا لَهُ وُجُوهًا

فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة جسدانية لضعفت فِي زمن

الشيخوخة وَلَيْسَ كَذَلِك جَوَابه من وُجُوه

الْوَجْه الأول لم يجوز أَن يُقَال الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ من صِحَة الْبدن فِي كَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة مِقْدَار معِين وَأما كَمَال حَال الْبدن فِي الصِّحَّة فَإِنَّهُ غير مُعْتَبر فِي كَمَال حَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة وَإِذا احْتمل ذَلِك لم يبعد أَن يُقَال ذَلِك الْقدر الْمُحْتَاج إِلَيْهِ بَاقٍ إِلَى آخر الشيخوخة فبقى الْعقل إِلَى آخرهَا

الْوَجْه الثَّانِي أَن الشَّيْخ لَعَلَّه إِنَّمَا يُمكنهُ أَن يسْتَمر فِي الإدراكات الْعَقْلِيَّة على الصِّحَّة أَن عقله يبْقى بِبَعْض الْأَعْضَاء الَّتِي يتَأَخَّر الْفساد والاستحالة إِلَيْهَا فَإِذا انتهي إِلَيْهَا الْفساد والاستحالة فسد عقله وإدراكه

الْوَجْه الثَّالِث أَنه لَا يمْتَنع أَن يكون بعض الأمزجة أوفق لبَعض القوى فَلَعَلَّ مزاج الشَّيْخ أوفق للقوة الْعَقْلِيَّة فَلهَذَا السَّبَب تقوى فِيهِ الْقُوَّة الْعَاقِلَة

الْوَجْه الرَّابِع أَن المزاج إِذا كَانَ فِي غَايَة الْقُوَّة والشدة كَانَت سَائِر القوى قَوِيَّة فَتكون الْقُوَّة الشهوانية والغضبية قَوِيَّة جدا وَقُوَّة هَذِه القوى تمنع الْعقل من الاستكمال فَإِذا حصلت الْقُوَّة الشيخوخة وَحصل الضعْف حصل بِسَبَب الضعْف ضعف فِي هَذِه القوى الْمَانِعَة لِلْعَقْلِ من الاستكمال وَحصل فِي الْعقل أَيْضا ضعف وَلَكِن بعد مَا حصل فِي الْعقل من الضعْف حصل ذَلِك فِي أضداده فينجبر النُّقْصَان من أحد الْجَانِبَيْنِ بِالنُّقْصَانِ من الْجَانِب الآخر فَيَقَع الِاعْتِدَال

الْوَجْه الْخَامِس أَن الشَّيْخ حفظ الْعُلُوم والتجارب الْكَثِيرَة ومارس الْأُمُور ودربها

<<  <   >  >>