للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جَوَابه أَن هَذِه الشُّبْهَة مركبة من مقدمتين تلازميه واستثنائية وَالْمَنْع وَاقع فِي كلا المقدمتين أَو إِحْدَاهمَا فَلَا نسلم أَنَّهَا لَو كَانَت جسما لصَحَّ أَن تعلم بَعْضهَا وتجهل بَعْضهَا فَإِن لنَفس بسيطة غير مركبة من هَذِه العناصر وَلَا من الْأَجْزَاء الْمُخْتَلفَة فَمَتَى شَعرت بذاتها شَعرت بجهلها فَهَذَا منع الْمُقدمَة التلازمية

وَأما الاستثنائية فَلَا نسلم أَنَّهَا لَا يَصح أَن تعلم بَعْضهَا حَال غفلتها عَن الْبَعْض الآخر وَلم تَذكرُوا على بطلَان ذَلِك شُبْهَة فضلا عَن دَلِيل وَمن الْمَعْلُوم أَن الْإِنْسَان قد يشْعر بِنَفسِهِ من بعض الْوُجُوه دون كلهَا ويتفاوت النَّاس فِي ذَلِك فَمنهمْ من يكون شعوره بِنَفسِهِ أتم من غَيره بدرجات كَثِيرَة وَقد قَالَ تَعَالَى {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين نسوا الله فأنساهم أنفسهم} فَهَؤُلَاءِ نسوا نُفُوسهم لَا من جَمِيع الْوُجُوه بل من الْوَجْه الَّذِي بِهِ مصالحها وكمالها وسعادتها وَإِن لم ينسوها من الْوَجْه الَّذِي مِنْهُ شهوتها وحظها وإرادتها فأنساهم مصَالح نُفُوسهم أَن يفعلوها ويطلبوها وعيوبها ونقائصها أَن يزيلوها ويجتنبوها وكمالها الَّذِي خلقت لَهُ أَن يعرفوه ويطلبوه فهم جاهلون بحقائق أنفسهم من هَذِه الْوُجُوه وَإِن كَانُوا عَالمين بهَا من وُجُوه أخر

فصل قَوْلكُم فِي السَّادِس عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ ثقل الْبدن بِدُخُولِهَا

فِيهِ لِأَن من شَأْن الْجِسْم إِذا زِدْت عَلَيْهِ جسما آخر أَن يثقل بِهِ

فَهَذِهِ شُبْهَة فِي غَايَة الثقلة والمحتج بهَا أثقل وَلَيْسَ كل جسم زيد عَلَيْهِ جسم آخر ثقله فَهَذِهِ الْخَشَبَة تكون ثَقيلَة فَإِذا زيد عَلَيْهَا جسم النَّار خفت جدا وَهَذَا الظّرْف يكون ثقيلا فَإِذا دخله جسم الْهَوَاء خف وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي الْأَجْسَام الثقال الَّتِي تطلب المركز وَالْوسط بطبعها وَهِي تتحرك بالطبع إِلَيْهِ وَأما الْأَجْسَام الَّتِي تتحرك بطبعها إِلَى الْعُلُوّ فَلَا يعرض لَهَا ذَلِك بل الْأَمر فِيهَا بالضد من تِلْكَ الْأَجْسَام الثقال بل إِذا أضيفت إِلَى جسم ثقيل أكسبته الخفة وَقد أَخذ هَذَا الْمَعْنى بَعضهم فَقَالَ

ثقلت زجاجات أتتنا فرغا ... حَتَّى إِذا ملئت بِصَرْف الراح

خفت فَكَادَتْ أَن تطير بِمَا حوت ... وَكَذَا الجسوم تخف بالأرواح

فصل قَوْلكُم فِي السَّابِع عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لكَانَتْ على صِفَات سَائِر

الْأَجْسَام الَّتِي لَا تَخْلُو مِنْهَا من الخفة والثقل والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والنعومة والخشونة

<<  <   >  >>