للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَى آخِره شُبْهَة فَاسِدَة وَحجَّة داحضة فَإِنَّهُ لَا يجب اشْتِرَاك الْأَجْسَام فِي جَمِيع الكيفيات وَالصِّفَات وَقد فاوت الله سُبْحَانَهُ بَين صفاتها وكيفياتها وطبائعها مِنْهَا مَا يرى بالبصر ويلمس بِالْيَدِ وَمِنْهَا مَا لَا يرى وَلَا يلمس وَمنا مَاله لون وَمِنْهَا مَالا لون لَهُ وَمِنْهَا مَالا يقل الْحَرَارَة والبرودة وَمِنْهَا مَا يقبله على أَن للنَّفس من الكيفيات المختصة بهَا مَالا يشاركها فِيهَا الْبدن وَلها خفَّة وَثقل وحرارة وبرودة ويبس ولين يحسبها وَأَنت تَجِد الْإِنْسَان فِي غَايَة الثقالة وبدنه نحيل جدا وتجده فِي غَايَة الخفة وبدنه ثقيل وتجد نَفسهَا لينَة وَادعَة ونفسا يابسة قاسية وَمن لَهُ حس سليم يشم رَائِحَة بعض النُّفُوس كالجيفة المنتنة ورائحة بَعْضهَا أطيب من ريح الْمسك وَقد كَانَ رَسُول الله إِذا مر فِي طَرِيق بَقِي أثر رَائِحَته فِي الطَّرِيق وَيعرف أَنه مر بهَا وَتلك رَائِحَة نَفسه وَقَلبه وَكَانَت رَائِحَة عرقه من أطيب شَيْء وَذَلِكَ تَابع لطيب نَفسه وبدنه وَأخْبر وَهُوَ أصدق الْبشر أَن الرّوح عِنْد الْمُفَارقَة يُوجد لَهَا كأطيب نفحة مسك وجدت على وَجه الأَرْض أَو كأنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض وَلَوْلَا الزُّكَام الْغَالِب لشم الْحَاضِرُونَ ذَلِك على أَن كثيرا من النَّاس يجد ذَلِك وَقد أخبر بِهِ غير وَاحِد وَيَكْفِي فِيهِ خبر الصَّادِق المصدوق وَكَذَلِكَ أخبر بِأَن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ مشرقة وأرواح الْكفَّار سود

وَبِالْجُمْلَةِ فكيفيات النُّفُوس أظهر من أَن ينكرها إِلَّا من هُوَ من أَجْهَل النَّاس بهَا

فصل قَوْلكُم فِي الثَّامِن عشر لَو كَانَت النَّفس جسما لوَجَبَ أَن تقع تَحت

جَمِيع الْحَواس أَو تَحت حاسة مِنْهَا إِلَى آخِره

فَجَوَابه منع اللُّزُوم فَإِنَّكُم لم تَذكرُوا عَلَيْهِ شُبْهَة فضلا عَن دَلِيل وَمنع انْتِفَاء اللَّازِم فَإِن الرّوح تدْرك بالحواس فتلمس وَترى وتشم لَهَا الرَّائِحَة الطّيبَة والخبيثة كَمَا تقدم فِي النُّفُوس المستفيضة وَلَكِن لَا نشاهد نَحن ذَلِك وَهَذَا الدَّلِيل لَا يُمكن مِمَّن يصدق الرُّسُل أَن يحْتَج بِهِ فَإِن الْملك جسم وَلَا يَقع تَحت حاسة من حواسنا وَكَذَلِكَ الْجِنّ وَالشَّيَاطِين أجسام لطاف لَا تقع تَحت حاسة من حواسنا والأجسام مُتَفَاوِتَة فِي ذَلِك تَفَاوتا كثيرا فَمِنْهَا مَا يدْرك أَكثر الْحَواس وَمِنْهَا مَالا يدْرك بأكثرها وَمنا مَا يدْرك بحاسة وَاحِدَة وَمِنْهَا مَالا ندركه نَحن فِي الْغَالِب وَإِن أدْرك فِي بعض الْأَحْوَال لكَونه لم يخلق لنا إِدْرَاكه أَو لمَانع يمْنَع من إِدْرَاكه أَو للطفه عَن إِدْرَاك حواسنا فَمَا عدم اللَّوْن من الْأَجْسَام لم يدْرك بالبصر كالهواء وَالنَّار فِي عنصرها وَمَا عدم الرَّائِحَة لم يدْرك بالشم كالنار والحصا والزجاج وَمَا عدم المجسة لم يدْرك باللمس كالهواء السَّاكِن

<<  <   >  >>