للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والانزعاج وَالِاضْطِرَاب من جِهَته كَائِنا من كَانَ بل لَو اطْمَأَن العَبْد إِلَى علمه وحاله وَعَمله سبله وزايله وَقد جعل سُبْحَانَهُ نفوس المطمئنين إِلَى سواهُ أغراضها بسهام الْبلَاء ليعلم عباده وأولياؤه أَن الْمُتَعَلّق بِغَيْرِهِ مَقْطُوع والمطمئن إِلَى سواهُ عَن مَصَالِحه ومقاصده مصدود وممنوع

وَحَقِيقَة الطُّمَأْنِينَة الَّتِي تصير بهَا النَّفس مطمئنة أَن تطمئِن فِي بَاب معرفَة أَسْمَائِهِ وَصِفَاته ونعوت كَمَا لَهُ إِلَى خَبره الَّذِي أخبر بِهِ عَن نَفسه وأخبرت بِهِ عَنهُ رسله فتتلقاه بِالْقبُولِ وَالتَّسْلِيم والإذعان وانشراح الصَّدْر لَهُ وَفَرح الْقلب بِهِ فَإِنَّهُ معرف من معرفات الرب سُبْحَانَهُ إِلَى عَبده على لِسَان رَسُوله فَلَا يزل الْقلب فِي أعظم القلق وَالِاضْطِرَاب فِي هَذَا الْبَاب حَتَّى يخالط الْإِيمَان بأسماء الرب تَعَالَى وَصِفَاته وتوحيده وعلوه على عَرْشه وتكلمه بِالْوَحْي بشاشة قلبه فَينزل ذَلِك عَلَيْهِ نزُول المَاء الزلَال على الْقلب الملتهب بالعطش فيطمئن إِلَيْهِ ويسكن إِلَيْهِ ويفرح بِهِ ويلين لَهُ قلبه ومفاصله حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهد الْأَمر كَمَا أخْبرت بِهِ الرُّسُل بل يصير ذَلِك لِقَلْبِهِ بِمَنْزِلَة رُؤْيَة الشَّمْس فِي الظهيرة لعَينه فَلَو خَالفه فِي ذَلِك من بَين شَرق الأَرْض وغربها لم يلْتَفت إِلَى خلافهم وَقَالَ إِذا استوحش من الغربة قد كَانَ الصّديق الْأَكْبَر مطمئنا بِالْإِيمَان وَحده وَجَمِيع أهل الأَرْض يُخَالِفهُ وَمَا نقص ذَلِك من طمأنينة شَيْئا فَهَذَا أول دَرَجَات الطُّمَأْنِينَة ثمَّ لَا يزَال يقوى كلما سمع بِآيَة متضمنة لصفة من صِفَات ربه وَهَذَا أَمر لَا نِهَايَة لَهُ فَهَذِهِ الطُّمَأْنِينَة أصل أصُول الْإِيمَان الَّتِي قَامَ عَلَيْهِ بِنَاؤُه ثمَّ يطمئن إِلَى خَبره عَمَّا بعد الْمَوْت من أُمُور البرزخ وَمَا بعْدهَا من أَحْوَال الْقِيَامَة حَتَّى كَأَنَّهُ يُشَاهد ذَلِك كُله عيَانًا وَهَذَا حَقِيقَة الْيَقِين الَّذِي وصف بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهل الْإِيمَان حَيْثُ قَالَ {وبالآخرة هم يوقنون} فَلَا يحصل الْإِيمَان بِالآخِرَة حَتَّى يطمئن الْقلب إِلَى مَا أخبر الله سُبْحَانَهُ بِهِ عَنْهَا طمأنينته إِلَى الْأُمُور الَّتِي لَا يشك فِيهَا وَلَا يرتاب فَهَذَا هُوَ الْمُؤمن حَقًا بِالْيَوْمِ الآخر كَمَا فِي حَدِيث حَارِثَة أَصبَحت مُؤمنا فَقَالَ رَسُول الله إِن لكل حق حَقِيقَة فَمَا حَقِيقَة إيمانك قَالَ عزفت نَفسِي عَن الدُّنْيَا وَأَهْلهَا وَكَأَنِّي أنظر إِلَى عرش رَبِّي بارزا وَإِلَى أهل الْجنَّة يتزاورون فِيهَا وَأهل النَّار يُعَذبُونَ فِيهَا فَقَالَ عبد نور الله قلبه

فصل والطمأنينة إِلَى أَسمَاء الرب تَعَالَى وَصِفَاته نَوْعَانِ طمأنينة إِلَى

الْإِيمَان بهَا وإثباتها واعتقادها وطمأنينة إِلَى مَا تَقْتَضِيه وتوجبه من آثَار الْعُبُودِيَّة مِثَاله الطُّمَأْنِينَة إِلَى الْقدر وإثباته وَالْإِيمَان بِهِ يَقْتَضِي الطُّمَأْنِينَة إِلَى مَوَاضِع الأقدار الَّتِي لم يُؤمر العَبْد بدفعها وَلَا قدرَة لَهُ على دَفعهَا فَيسلم

<<  <   >  >>