للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأما سوء الظَّن فَهُوَ امتلاء قلبه بالظنون السَّيئَة بِالنَّاسِ حَتَّى يطفح على لِسَانه وجوارحه فهم مَعَه أبدا فِي الْهَمْز واللمز والطعن وَالْعَيْب والبغض ببغضهم ويبغضونه ويلعنهم ويلعنونه ويحذرهم ويحذرون مِنْهُ فَالْأول يخالطهم ويحترز مِنْهُم وَالثَّانِي يتجنبهم ويلحقه أذاهم الأول دَاخل فيهم بِالنَّصِيحَةِ وَالْإِحْسَان مَعَ الِاحْتِرَاز وَالثَّانِي خَارج مِنْهُم مَعَ الْغِشّ والدغل والبغض

فصل وَالْفرق بَين الفراسة وَالظَّن أَن الظَّن يخطىء ويصيب وَهُوَ يكون مَعَ ظلمَة

الْقلب ونوره وطهارته ونجاسته وَلِهَذَا أَمر تَعَالَى باجتناب كثير مِنْهُ وَأخْبر أَن بعضه إِثْم

وَأما الفراسة فَأثْنى على أَهلهَا ومدحهم فِي قَوْله تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَغَيره أَي للمتفرسين وَقَالَ تَعَالَى {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف تعرفهم بِسِيمَاهُمْ} وَقَالَ تَعَالَى وَلَو نشَاء لأريناهم فَلَعَرَفْتهمْ بِسِيمَاهُمْ ولتعرفنهم فِي لحن القَوْل فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من الأدناس وَقرب من الله فَهُوَ ينظر بِنور الله الَّذِي جعله فِي قلبه وَفِي التِّرْمِذِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله وَهَذِه الفراسة نشأت لَهُ من قربه من الله فَإِن الْقلب إِذا قرب من الله انْقَطَعت عَنهُ معارضات السوء الْمَانِعَة من معرفَة الْحق وإدراكه وَكَانَ تلقيه من مشكاة قريبَة من الله بِحَسب قربه مِنْهُ وأضاء لَهُ النُّور بِقدر قربه فَرَأى فِي ذَلِك النُّور مَا لم يره الْبعيد والمحجوب كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي فِيمَا يرْوى عَن ربه عز وَجل أَنه قَالَ مَا تقرب إِلَى عَبدِي بِمثل مَا افترضت عَلَيْهِ وَلَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَى بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَرجله الَّتِي يمشي بهَا فِي يسمع وَبِي يبصر وَبِي يبطش وَبِي يمشي فَأخْبر سُبْحَانَهُ أَن تقرب عَبده مِنْهُ يفِيدهُ محبته لَهُ فَإِذا أحبه قرب من سَمعه وبصره وَيَده وَرجله فَسمع بِهِ وَأبْصر بِهِ وبطش بِهِ وَمَشى بِهِ فَصَارَ قلبه كالمرآة الصافية تبدو فِيهَا صور الْحَقَائِق على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَلَا تكَاد تخطىء لَهُ فراسة فَإِن العَبْد إِذا أبْصر بِاللَّه أبْصر الْأَمر على مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِذا سمع بِاللَّه سَمعه على مَا هُوَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا من علم الْغَيْب بل علام الغيوب قذف الْحق فِي قلب قريب مُسْتَبْشِرٍ بنوره غير مَشْغُول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس الَّتِي تَمنعهُ من حُصُول صورا الْحَقَائِق فِيهِ وَإِذا غلب على الْقلب النُّور فاض على الْأَركان وبادر من الْقلب إِلَى الْعين فكشف بِعَين بَصَره بِحَسب ذَلِك النُّور وَقد كَانَ رَسُول الله يرى أَصْحَابه فِي الصَّلَاة وهم خَلفه كَمَا يراهم أَمَامه وَرَأى بَيت الْمُقَدّس عيَانًا وَهُوَ

<<  <   >  >>