للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعد مَعْرفَته فَيسلم قلبه من إِرَادَته وقصده لَا من مَعْرفَته وَالْعلم بِهِ وَهَذَا بِخِلَاف البله والغفلة فَإِنَّهَا جهل وَقلة معرفَة وَهَذَا لَا يحمد إِذْ هُوَ نقص وَإِنَّمَا يحمد النَّاس من هُوَ كَذَلِك لسلامتهم مِنْهُ والكمال أَن يكون الْقلب عَارِفًا بتفاصيل الشَّرّ سليما من إِرَادَته قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لست بخب وَلَا يخدعني الخب وَكَانَ عمر أَعقل من أَن يخدع وَأَوْرَع من أَن يخدع وَقَالَ تَعَالَى {يَوْم لَا ينفع مَال وَلَا بنُون إِلَّا من أَتَى الله بقلب سليم} فَهَذَا هُوَ السَّلِيم من الْآفَات الَّتِي تعتري الْقُلُوب الْمَرِيضَة من مرض الشُّبْهَة الَّتِي توجب اتِّبَاع الظَّن وَمرض الشَّهْوَة الَّتِي توجب اتِّبَاع مَا تهوى الْأَنْفس فالقلب السَّلِيم الَّذِي سلم من هَذَا وَهَذَا

فصل وَالْفرق بَين الثِّقَة والغرة أَن الثِّقَة سُكُون يسْتَند إِلَى أَدِلَّة وإمارات

يسكن الْقلب إِلَيْهَا فَكلما قويت تِلْكَ الإمارات قويت الثِّقَة واستحكمت وَلَا سِيمَا على كَثْرَة التجارب وَصدق الفراسة واللفظة كَأَنَّهَا وَالله اعْلَم من الوثاق وَهُوَ الرِّبَاط فالقلب قد ارْتبط بِمن وثق بِهِ يوكلا عَلَيْهِ وَحسن ظن بِهِ فَصَارَ فِي وثاق محبته ومعاملته والاستناد إِلَيْهِ والاعتماد عَلَيْهِ فَهُوَ فِي وثَاقه بِقَلْبِه وروحه وبدنه فَإِذا صَار الْقلب إِلَى الله وَانْقطع إِلَيْهِ تقيد بحبه وَصَارَ فِي وثاق الْعُبُودِيَّة فَلم يبْق لَهُ مفزع فِي النوائب وَلَا ملْجأ غَيره وَيصير عدته وشدته وذخيرته فِي نوائبه وملجأه فِي نوازله ومستعانه فِي حَوَائِجه وضروراته

وَأما الْغرَّة فَهِيَ حَال المغتر الَّذِي غرته نَفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الْكَاذِب بربه حَتَّى اتبع نَفسه هَواهَا وَتمنى على الله الْأَمَانِي والغرور ثقتك بِمن لَا يوثق بِهِ وسكونك إِلَى من لَا يسكن إِلَيْهِ ورجاؤك النَّفْع من الْمحل الَّذِي لَا يَأْتِي بِخَبَر كَحال المغتر بِالسَّرَابِ قَالَ تَعَالَى وَالَّذِي كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجده شَيْئا وَوجد الله عَهده فوفاه حسابه وَالله سريع الْحساب وَقَالَ تَعَالَى فِي وصف المغترين {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وهم يحسبون أَنهم يحسنون صنعا} وَهَؤُلَاء إِذا انْكَشَفَ الغطاء وَثبتت حقائق الْأُمُور علمُوا انهم لم يَكُونُوا على شَيْء وبدا لَهُم من الله مَا لم يَكُونَا يحتسبون وَفِي اثر مَعْرُوف إِذا رَأَيْت الله سُبْحَانَهُ يزيدك من نعْمَة وَأَنت مُقيم عل مَعْصِيَته فأحذره فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاج يستدرجك بِهِ وَشَاهد هَذَا فِي الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أبوب كل شَيْء حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فهم مبلسون وَهَذَا من أعظم الْغرَّة أَن ترَاهُ يُتَابع عَلَيْك نعمه وَأَنت مُقيم على مَا يكره فالشيطان وكل الْغرُور وطبع النَّفس الأمارة الاغترار فَإِذا اجْتمع الرَّأْي وَالْبَغي والرأي

<<  <   >  >>