للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَبعد ذَلِك فَرح آخر لَا يقدر قدره وَلَا يعبر عَنهُ تتلاشى هَذِه الأفراح كلهَا عِنْده وَإِنَّمَا يكون هَذَا لأهل السّنة المصدقين بِرُؤْيَة وَجه رَبهم تبَارك وَتَعَالَى من فَوْقهم وَسَلَامه عَلَيْهِم وتكليمه إيَّاهُم ومحاضرته لَهُم

وَلَيْسَت هَذِه الفرحات إِلَّا ... لذى الترحات فِي دَار الرزايا

فشمر مَا اسْتَطَعْت السَّاق واجهد ... لَعَلَّك أَن تفوز بِذِي العطايا

وصم عَن لَذَّة حشيت بلَاء ... الذَّات خلصن من البلايا

ودع أُمْنِية إِن لم تنلها ... تعذب أَو تنَلْ كَانَت منايا

وَلَا تستبط وَعدا من رَسُول ... أَتَى بِالْحَقِّ من رب البرايا

فَهَذَا الْوَعْد أدنى من نعيم ... مضى بالْأَمْس لَو وفقت رايا

فصل وَالْفرق بَين رقة الْقلب والجزع أَن الْجزع ضعف فِي النَّفس وَخَوف فِي

الْقلب يمده شدَّة الطمع والحرص ويتولد من ضعف الْإِيمَان بِالْقدرِ وَإِلَّا فَمَتَى علم أَن الْمُقدر كَائِن وَلَا بُد كَانَ الْجزع عناء مَحْضا ومصيبة ثَانِيَة قَالَ تَعَالَى مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها إِن ذَلِك على الله يسير لكيلا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم فَمَتَى آمن العَبْد بِالْقدرِ وَعلم أَن الْمُصِيبَة مقدرَة فِي الْحَاضِر وَالْغَائِب لم يجزع وَلم يفرح

وَلَا يُنَافِي هَذَا رقة الْقلب فَإِنَّهَا ناشئة من صفة الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ كَمَال وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يرحم من عباده الرُّحَمَاء وَقد كَانَ رَسُول الله أرق النَّاس قلبا وأبعدهم من الْجزع فرقة الْقلب رأفة وَرَحْمَة وجزعه مرض وَضعف فالجزع حَال قلب مَرِيض بالدنيا قد غشيه دُخان النَّفس الأمارة فَأخذ بأنفاسه وضيق عَلَيْهِ مسالك الْآخِرَة وَصَارَ فِي سجن الْهوى وَالنَّفس وَهُوَ سجن ضيق الأرجاء مظلم المسلك فانحصار الْقلب وضيقه يجزع من أدنى مَا يُصِيبهُ وَلَا يحْتَملهُ فَإِذا أشرق فِيهِ نور الْإِيمَان وَالْيَقِين بالوعد وامتلأ من محبَّة الله وإجلاله رق وَصَارَت فِيهِ الرأفة وَالرَّحْمَة فتراه رحِيما رَفِيق الْقلب بِكُل ذِي قربى وَمُسلم يرحم النملة فِي حجرها وَالطير فِي وَكره فضلا عَن بني جنسه فَهَذَا أقرب الْقُلُوب من الله قَالَ أنس كَانَ رَسُول الله أرْحم النَّاس بالعيال وَالله سُبْحَانَهُ إِذا أَرَادَ أَن يرحم عبدا أسكن فِي قلبه الرأفة وَالرَّحْمَة وَإِذا أَرَادَ أَن يعذبه نزع من قلبه الرَّحْمَة والرأفة وأبدله بهما الغلظة وَالْقَسْوَة وَفِي الحَدِيث الثَّابِت لَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من شقي وَفِيه من لَا يرحم لَا يرحم وَفِيه ارحموا من فِي الأَرْض

<<  <   >  >>