للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَالْأول كمحبة الْمُشْركين لأوثانهم وأندادهم قَالَ تَعَالَى وَمن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله وَهَؤُلَاء الْمُشْركُونَ يحبونَ أوثانهم وأصنامهم وآلهتهم مَعَ الله كَمَا يحبونَ الله فَهَذِهِ محبَّة تأله وموالاة يتبعهَا الْخَوْف والرجاء وَالْعِبَادَة وَالدُّعَاء وَهَذِه الْمحبَّة هِيَ مَحْض الشّرك الَّذِي لَا يغفره الله وَلَا يتم الْإِيمَان إِلَّا بمعاداة هَذِه الأنداد وَشدَّة بغضها وبغض أَهلهَا ومعاداتهم ومحاربتهم وَبِذَلِك أرسل الله جَمِيع رسله وَأنزل جَمِيع كتبه وَخلق النَّار لأهل هَذِه الْمحبَّة الشركية وَخلق الْجنَّة لمن حَارب أَهلهَا وعاداهم فِيهِ وَفِي مرضاته فَكل من عبد شَيْئا من لدن عَرْشه إِلَى قَرَار أرضه فقد اتخذ من دون الله إِلَهًا ووليا وأشرك بِهِ كَائِنا ذَلِك المعبود مَا كَانَ وَلَا بُد أَن يتبرأ مِنْهُ أحْوج مَا كَانَ إِلَيْهِ

وَالنَّوْع الثَّانِي محبَّة مَا زينه الله للنفوس من النِّسَاء والبنين وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَالْخَيْل المسومة والأنعام والحرث فيحبها محبَّة شَهْوَة كمحبة الجائع للطعام والظمآن للْمَاء فَهَذِهِ الْمحبَّة ثَلَاثَة أَنْوَاع فَإِن أحبها لله توصلا بهَا إِلَيْهِ واستعانة على مرضاته وطاعته أثيب عَلَيْهَا وَكَانَت من قسم الْحبّ لله توصلا بهَا إِلَيْهِ ويلتذ بالتمتع بهَا وَهَذَا حَاله أكمل الْخلق الَّذِي حبب إِلَيْهِ من الدُّنْيَا النِّسَاء وَالطّيب وَكَانَت محبته لَهما عونا لَهُ على محبَّة الله وتبليغ رسَالَته وَالْقِيَام بأَمْره وَإِن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته وَلم يؤثرها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه بل نالها بِحكم الْميل الطبيعي كَانَت من قسم الْمُبَاحَات وَلم يُعَاقب على ذَلِك وَلَكِن ينقص من كَمَال محبته لله والمحبة فِيهِ وَإِن كَانَت هِيَ مَقْصُودَة وَمرَاده وسعيه فِي تَحْصِيلهَا وَالظفر بهَا وقدمها على مَا يُحِبهُ الله ويرضاه مِنْهُ كَانَ ظَالِما لنَفسِهِ مُتبعا لهواه

فَالْأولى محبَّة السَّابِقين

وَالثَّانيَِة محبَّة الْمُقْتَصِدِينَ

وَالثَّالِثَة محبَّة الظَّالِمين

فَتَأمل هَذَا الْموضع وَمَا فِيهِ من الْجمع وَالْفرق فَإِنَّهُ معترك النَّفس الأمارة والمطمئنة وَالْمهْدِي من هداه الله

فصل وَالْفرق بَين التَّوَكُّل وَالْعجز أَن التَّوَكُّل عمل الْقلب وعبوديته اعْتِمَادًا

على الله وثقة بِهِ والتجاء إِلَيْهِ وتفويضا إِلَيْهِ ورضا بِمَا يَقْضِيه لَهُ لعلمه بكفايته سُبْحَانَهُ وَحسن اخْتِيَاره لعَبْدِهِ إِذا فوض إِلَيْهِ مَعَ قِيَامه بالأسباب الْمَأْمُور بهَا واجتهاده فِي تَحْصِيلهَا فقد كَانَ رَسُول الله

<<  <   >  >>