للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِلَيْهِ ووثق بِهِ وَكَانَ هَذَا من أقوى أَسبَاب حُصُول رزقه فَلم يعطل السَّبَب وَإِنَّمَا رغب عَن سَبَب إِلَى سَبَب أقوى مِنْهُ فَكَانَ توكله أوثق الْأَسْبَاب عِنْده فَكَانَ اشْتِغَال قلبه بِاللَّه وسكونه إِلَيْهِ وتضرعه إِلَيْهِ أحب إِلَيْهِ من اشْتِغَاله بِسَبَب يمنعهُ من ذَلِك أَو من كَمَاله فَلم يَتَّسِع قلبه للأمرين فَأَعْرض أَحدهمَا إِلَى الآخر وَلَا ريب ان هَذَا أكمل حَالا مِمَّن امْتَلَأَ قلبه بِالسَّبَبِ واشتغل بِهِ عَن ربه وأكمل مِنْهُمَا من جمع الْأَمريْنِ وَهِي حَال الرُّسُل وَالصَّحَابَة فقد كَانَ زَكَرِيَّا نجارا وَقد أَمر الله نوحًا أَن يصنع السَّفِينَة وَلم يكن فِي الصَّحَابَة من يعطل السَّبَب اعْتِمَادًا على التَّوَكُّل بل كَانُوا أقوم النَّاس بالأمرين أَلا ترى أَنهم بذلوا جهدهمْ فِي محاربة أَعدَاء الدّين بِأَيْدِيهِم وألسنتهم وَقَامُوا فِي ذَلِك بِحَقِيقَة التَّوَكُّل وعمروا أَمْوَالهم وأصلحوها وَأَعدُّوا لأهليهم كفايتهم من الْقُوت بِسَيِّد المتوكلين صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وَآله

فصل وَالْفرق بَين الِاحْتِيَاط والوسوسة ان الِاحْتِيَاط الِاسْتِقْصَاء وَالْمُبَالغَة فِي

اتِّبَاع السّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ رَسُول الله وَأَصْحَابه من غير غلو ومجاوزة وَلَا تَقْصِير وَلَا تَفْرِيط فَهَذَا هُوَ الِاحْتِيَاط الَّذِي يرضاه الله وَرَسُوله وَأما الوسوسة فَهِيَ ابتداع مَا لم تأت بِهِ السّنة وَلم يَفْعَله رَسُول الله وَلَا أحد من الصَّحَابَة زاعما أَنه يصل بذلك إِلَى تَحْصِيل الْمَشْرُوع وَضَبطه كمن يحْتَاط بِزَعْمِهِ وَيغسل أعضاءه فِي الْوضُوء فَوق الثَّلَاثَة فيسرف فِي صب المَاء فِي وضوئِهِ وغسله وَصرح بالتلفظ بنية الصَّلَاة مرَارًا أَو مرّة وَاحِدَة وَيغسل ثِيَابه مِمَّا لَا يتَيَقَّن نَجَاسَته احْتِيَاطًا ويرغب عَن الصَّلَاة فِي نَعله احْتِيَاطًا إِلَى أَضْعَاف أَضْعَاف هَذَا مِمَّا اتَّخذهُ الموسوسون دينا وَزَعَمُوا أَنه احْتِيَاط وَقد كَانَ الِاحْتِيَاط بِاتِّبَاع هدى رَسُول الله وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أولى بهم فَإِنَّهُ الِاحْتِيَاط الَّذِي من خرج عَنهُ فقد فَارق الِاحْتِيَاط وَعدل عَن سَوَاء الصِّرَاط وَالِاحْتِيَاط كل الِاحْتِيَاط الْخُرُوج عَن خلاف السّنة وَلَو خَالَفت أَكثر أهل الأَرْض بل كلهم

فصل وَالْفرق بَين إلهام الْملك وإلقاء الشَّيْطَان من وُجُوه مِنْهَا أَن مَا كَانَ

لله مُوَافقا لمرضاته وَمَا جَاءَ بِهِ رَسُوله فَهُوَ من الْملك وَمَا كَانَ لغيره غير مُوَافق لمرضاته فَهُوَ من إِلْقَاء الشَّيْطَان وَمِنْهَا أَن مَا أثمر إقبالا على الله وإنابة إِلَيْهِ وذكرا لَهُ وهمة صاعدة إِلَيْهِ فَهُوَ من إِلْقَاء الْملك وَمَا أثمر ضد ذَلِك فَهُوَ من إِلْقَاء الشَّيْطَان وَمِنْهَا أَن مَا أورث أنسا ونورا فِي الْقلب وانشراحا فِي الصَّدْر فَهُوَ من الْملك وَمَا أورث ضد ذَلِك فَهُوَ من الشَّيْطَان وَمِنْهَا أَن مَا أورث

<<  <   >  >>