للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِالذَّاتِ وَالْبدن تبعا فَيكون الْبدن فِي لحد أضيق من ذِرَاع وَقد فسح لَهُ مد بَصَره تبعا لروحه وَأما عصرة الْقَبْر حَتَّى تخْتَلف بعض أَجزَاء الْمَوْتَى فَلَا يردهُ حس وَلَا عقل وَلَا فطْرَة وَلَو قدر أَن أحدا نبش عَن ميت فَوجدَ أضلاعه كَمَا هى لم تخْتَلف لم يمْنَع أَن تكون قد عَادَتْ إِلَى حَالهَا بعد العصرة فَلَيْسَ مَعَ الزَّنَادِقَة والملاحدة إِلَّا مُجَرّد تَكْذِيب الرَّسُول

وَلَقَد أخبر بعض الصَّادِقين أَنه حفر ثَلَاثَة أقبر فَلَمَّا فرغ مِنْهَا اضْطجع ليستريح فَرَأى فِيمَا يرى النَّائِم ملكَيْنِ نزلا فوقفا على أحد الأقبر فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه اكْتُبْ فرسخا فِي فَرسَخ ثمَّ وقف على الثانى فَقَالَ اكْتُبْ ميلًا فِي ميل ثمَّ وقف على الثَّالِث فَقَالَ اكْتُبْ فترا فِي فتر ثمَّ انتبه فجىء بِرَجُل غَرِيب لَا يؤبه لَهُ فَدفن فِي الْقَبْر الأول ثمَّ جىء بِرَجُل آخر فَدفن فِي الْقَبْر الثانى ثمَّ جىء بِامْرَأَة مترفة من وُجُوه الْبَلَد حولهَا نَاس كثير فدفنت فِي الْقَبْر الضّيق الذى سَمعه يَقُول فترا فِي فتر والفتر مَا بَين الْإِبْهَام والسبابة

فصل الْأَمر الْخَامِس أَن النَّار الَّتِي فِي الْقَبْر والخضرة لَيست من نَار الدُّنْيَا

وَلَا من زروع الدُّنْيَا فيشاهده من شَاهد نَار الدُّنْيَا وخضرها وَإِنَّمَا هى من نَار الْآخِرَة وخضرها وهى أَشد من نَار الدُّنْيَا فَلَا يحس بِهِ أهل الدُّنْيَا فان الله سُبْحَانَهُ يحمى عَلَيْهِ ذَلِك التُّرَاب وَالْحِجَارَة الَّتِي عَلَيْهِ وَتَحْته حَتَّى يكون أعظم حرا من جمر الدُّنْيَا وَلَو مَسهَا أهل الدُّنْيَا لم يحسوا بذلك بل أعجب من هَذَا أَن الرجلَيْن يدفنان أَحدهمَا إِلَى جنت الآخر وَهَذَا فِي حُفْرَة من حفر النَّار لَا يصل حرهَا إِلَى جَاره وَذَلِكَ فِي رَوْضَة من رياض الْجنَّة لَا يصل روحها وَنَعِيمهَا إِلَى جَاره

وقدرة الرب تَعَالَى اوسع وأعجب من ذَلِك وَقد أرانا الله من آيَات قدرته فِي هَذِه الدَّار مَا هُوَ أعجب من ذَلِك بِكَثِير وَلَكِن النُّفُوس مولعة بالتكذيب بِمَا لم تحط بِهِ علما إِلَّا من وَفقه الله وَعَصَمَهُ

فيفرش للْكَافِرِ لوحان من نَار فيشتعل عَلَيْهِ قَبره بهما كَمَا يشتعل التَّنور فاذا شَاءَ الله سُبْحَانَهُ أَن يطلع على ذَلِك بعض عبيده اطلعه وغيبه عَن غَيره إِذْ لَو طلع الْعباد كلهم لزالت كلمة التَّكْلِيف وَالْإِيمَان بِالْغَيْبِ وَلما تدافن النَّاس كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنهُ لَوْلَا أَن لَا تدافنوا لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم من عَذَاب الْقَبْر مَا أسمع

وَلما كَانَت هَذِه الْحِكْمَة منفية فِي حق الْبَهَائِم سَمِعت ذَلِك وادركته كَمَا حادت برَسُول الله بغلته وكادت تلقيه لما مر بِمن يعذب فِي قَبره

وحدثنى صاحبنا أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الرزيز الحرانى أَنه خرج من دَاره بعد الْعَصْر بآمد إِلَى بُسْتَان قَالَ فَلَمَّا كَانَ قبل غرُوب الشَّمْس توسطت الْقُبُور فاذا بِقَبْر مِنْهَا وَهُوَ جَمْرَة

<<  <   >  >>