للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحدس وَأَن ينْعَقد فِي ذهنه الْقيَاس بِلَا معلم بشري وَهَذَا يتَفَاوَت بالكم والكيف أما فِي الْكمّ فَلِأَن بعض النَّاس يكون أَكثر حدسا للحدود الْوُسْطَى

أما بالكيف فَلِأَن بعض النَّاس يكون أسْرع زمَان حدس وَلِأَن هَذَا التَّفَاوُت لَيْسَ منحصرا فِي حد بل يقبل الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فَمنهمْ غبي لَا يعود عَلَيْهِ الْفِكر برادة وَمِنْهُم لَهُ فطانة إِلَى حد مَا ويستمتع بفكره وَمِنْهُم من هُوَ أثقب من ذَلِك وَله إِصَابَة فِي المعقولات وَتلك الثقابة غير متشابهة فِي الْجَمِيع بل رُبمَا قلت وَرُبمَا كثرت فَكَمَا أَنَّك تَجِد جَانب النُّقْصَان يَنْتَهِي إِلَى حد يكون منعدم الحدس فأيقن أَن جَانب الزِّيَادَة يُمكن أَن يَنْتَهِي إِلَى حد يَسْتَغْنِي فِي أَكثر أَحْوَاله عَن التَّعَلُّم والتفكر فَيحصل لَهُ الْعُلُوم دفْعَة وَيحصل مَعَه الوسائط والدلائل فَيمكن إِذا أَن يكون شخص من النَّاس مؤيد النَّفس لشدَّة الصفاء وَكَمَال الِاتِّصَال بالمبادىء الْعَقْلِيَّة إِلَى أَن يشتعل حدسا فِي كل شَيْء فيرتسم فِيهِ الصُّورَة الَّتِي فِي الْعقل الفعال اما دفْعَة وَإِمَّا قَرِيبا من دفْعَة ارتساما لَا تقليديا بل يقينيا مَعَ الْحُدُود الْوُسْطَى والبراهين اللائحة والدلائل الْوَاضِحَة

وَالْفرق بَين الحدس والفكر أَن الفكرة هِيَ حَرَكَة للنَّفس فِي الْمعَانِي مستعينا بالتخيل فِي أَكثر الْأُمُور يطْلب بهَا الْحَد الْأَوْسَط وَمَا يجْرِي مجْرَاه مِمَّا يُقَارِبه إِلَى علم بِالْمَجْهُولِ فِي حَالَة الْفَقْد استعراضا للمخزون فِي الْبَاطِن وَمَا يجْرِي مجْرَاه فَرُبمَا تأدت إِلَى الْمَطْلُوب وَرُبمَا انبتت وَأما الحدس فَهُوَ أَن يتَمَثَّل الْحَد الْأَوْسَط فِي الذِّهْن دفْعَة بِأَن يعلم الْعلَّة فَيعلم الْمَعْلُول أَو يعلم الدَّلِيل فَيحصل لَهُ الْعلم بالمدلول دفْعَة أَو قَرِيبا من دفْعَة وَهَذَا الْحُصُول تَارَة يكون عقيب طلب وشوق وَقد يكون من غير طلب واشتياق بِأَن يكون نفسا شريفة قَوِيَّة مستضيئة فِي نَفسهَا فَيحصل لَهُ الْعُلُوم ابْتِدَاء كَأَنَّهُ ماتخلى إِلَى اخْتِيَاره يكَاد زيتها يضيء ضوء الْفطْرَة وَلَو لم تمسه نَار الفكرة وَلَا يُفَارق طَرِيق الإلهام والحدس طَرِيق الِاكْتِسَاب والفكر فِي نفس الْعلم وَلَا فِي مَحَله وَلَا فِي سَببه لِأَن مَحل الْعلم النَّفس

<<  <   >  >>