للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل أَكثر سَعَة من السَّمَاوَات وَالْأَرْض فان الْجنَّة وان كَانَت وَاسِعَة الْأَطْرَاف متباعدة الاكناف فَهِيَ متناهية وَأما عَالم الملكوت وَهِي معرفَة الْحَقَائِق والاسرار الغائبة عَن مُشَاهدَة الْأَبْصَار الْمَخْصُوصَة بادراك الْبَصَر فَلَا نِهَايَة لَهَا

نعم الَّذِي يلوح للقلب مِنْهُ أَيْضا مِقْدَار متناه وَلكنه فِي نَفسه بِالْإِضَافَة إِلَى علم الله تَعَالَى لَا نِهَايَة لَهُ وَجُمْلَة عَالم الْملك والملكوت إِذا أخذت دفْعَة وَاحِدَة يُسمى الحضرة الربوبية لِأَن الحضرة مُحِيطَة بِكُل الموجودات إِذْ لَيْسَ فِي الْوُجُود شَيْء سوى الله وافعاله ومملكته وعبيده من أَفعاله فَمَا يتجلى من ذَلِك للقلب هُوَ الْجنَّة بِعَيْنِه عِنْد قوم وَهُوَ سَبَب اسْتِحْقَاق الْجنَّة عِنْد أهل الْحق وَتَكون سَعَة ملكه فِي الْجنَّة بِحَسب سَعَة مَعْرفَته وبمقدار مَا تجلى لَهُ من الله تَعَالَى وَصِفَاته وأفعاله وانما مُرَاد الطَّاعَات وأعمال الْجَوَارِح كلهَا تصفية الْقلب وتزكيته وجلاؤه وَمُرَاد تزكيته حُصُول أنوار المعارف فِيهِ وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَن شرح الله صَدره لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ على نور من ربه}

نعم هَذَا لَهُ مَرَاتِب فِيهَا تَتَفَاوَت الْعلمَاء والحكماء وكل وَاحِد لَهُ مِقْدَار مَعْلُوم وغايته دَرَجَة الْأَنْبِيَاء الَّذين تتلألأ أنوار الْحَقَائِق فِي قُلُوبهم وينكشف لَهُم اسرار الْملك والملكوت فِي صَفَائِح أَرْوَاحهم على أتم ظُهُور واجلى بَيَان وفقنا الله لاتباعهم فِي جَمِيع أفعالهم وأحوالهم وأخلاقهم أَمْثِلَة الْقلب مَعَ جُنُوده وَله ثَلَاثَة أَمْثِلَة

الأول نقُول مثل نفس الانسان فِي بدنه كَمثل وَال فِي مدينته ومملكته فان الْبدن مملكة النَّفس وعالمه ومستقرة ومدينته وَقواهُ وجوارحه بِمَنْزِلَة الصناع والعملة وَالْقُوَّة الْعَقْلِيَّة المفكرة لَهُ كالمشير الناصح والوزير الْعَاقِل والشهوة لَهُ كَعبد سوء يجلب الطَّعَام والميرة إِلَى الْمَدِينَة وَالْغَضَب وَالْحمية لَهُ

<<  <   >  >>