للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعريف النجاسة:

النجاسة لغة: ما يستقذر.

وشرعاً: اسم لعين مستقذرة شرعاً.

أقسامها: النجاسة قسمان:

-١ - نجاسة حقيقية وتكون من الخبث.

-٢ - ونجاسة حكمية وتكون من الحدس.

وبعد أن تكلمنا عن النجاسة الحكمية وكيفية التطهر منها، نبحث في النجاسة الحقيقية وكيفية تطهير محلّها.

والنجاسة الحقيقية قسمان:

أ - نجاسة مغلَّظة.

ب - نجاسة مخَّففة.

والمعتبر في التقسيم هو المقدار المعفوّ عنه من كل منها لا كيفية تطهيرها.

أ - النجاسة المغلظة:

وهي عند الإمام: ما توافقت على نجاستها الأدلة، أي ورد في نجاستها نص لم يعارضه نص آخر وهي عند الصاحبين: ما اتفق العلماء على نجاستها ولا بلوى في إصابتها.

وتشمل النجاسات المغلظة ما يلي:

-١ - الخمر: وهو ماء العنب إذا غلا واشتد وقذف الزبد. وقد ورد النص بنجاستها قال تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} (١) ، ولم يعارض بنصّ آخر، ولم يختلف الفقهاء في نجاستها فهي مغلظة بالاتفاق. أما نوع المسْكِرات ففيها ثلاثة أقوال: التغليظ والتخفيف والطهارة، والراجح أنها نجاسة مخففة. ويتبع الخمر الكحول فهو لا يصنع إلا من الخمر، ويعفى (٢) عنه عند استعماله للجروح لعموم البلوى.

-٢ - الدم المسفوح من سائر الحيوانات التي لها دم سائل، قال تعالى: {أو دماً مسفوحاً فإنه رجس} (٣) ، ويستثنى من الدم ما يبقى في اللحم بعد الذبح، وما يبقى في العروق والكبد والطحال، كما يعفى عن دم السمك، وذلك لما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال) (٤) . أما الدم غير المسفوح فطاهر ما لم يسل على المختار، إذ ما لم يكن حدثاً فليس بنجس، وقال الإمام محمد: إنه نجس احتياطاً. ودم الشهيد طاهر في حقه للضرورة.

-٣ - كل ما يخرج من جسم الإنسان وينقض الوضوء كالبول، والغائط، والدم، والصَّديد، والقيح، والمذي، والودي، والمني، هو نجس. وبول الصغير كالكبير أكل أو لم يأكل. أما البول فنجس، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) (٥) . وأما الغائط، فلما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تبرز لحاجته، أتيته بماء فيغسل به) (٦) . وأما الدم، فلما روت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب. قال: (اقرصيه واغسليه وصلي فيه) (٧) ، وعن حماد قال: "البول عندنا بمنزلة الدم ما لم يكن قدر الدرهم فلا بأس فيه" (٨) . وأما الصديد والقيح فإنهما نجسان قياساً على الدم. وأما المذي والودي، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "المني والمذي والودي. فالمني منه الغسل ومن هذين الوضوء، يغسل ذكره ويتوضأ" (٩) . وأما المني، فلما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت في المني: (كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة، وأثر الغسل في ثوبه: بُقع الماء) (١٠) .

-٤ - الخنزير نجس العين، وكل ما يخرج منه من لعاب وغيره نجس، لقوله تعالى: {أو لحم خنزير فإنه رجس} (١١) .

-٥ - بول ما يؤكل لحمه من الحيوان، وروثه، ولعابه، كنجو الكلب ورجيع السباع وبول الفأرة كلها نجسة مطلقاً إذا حلت بالماء. ويعفى عن قليله في الثوب والطعام للضرورة.

-٦ - ميتة الحيوان ذي الدم السائل، لقوله تعالى: {حرَّمت عليكم الميتة} (١٢) . والإنسان إذا مات فهو نجس، فإن كان الميت مسلماً إذا غسل فطاهر وقبل الغسل مختلف في نجاسته حدث أو خبث. ويستثنى من الميتة العظم والشعر فهما طاهران، لقوله صلى الله عليه وسلم لثوبان رضي الله عنه: (يا ثوبان اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج) (١٣) ، أما الجلد فهو نجس قبل الدبغ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا دبغ الإهاب فقد طهر) (١٤) .

-٧ - خرء الدجاج والبط والإوز وكل حيوان طائر يزرق على الأرض خرؤه، فهو نجس.

-٨ - رَوْث وبعر ما يؤكل لحمه من الحيوان هو نجس نجاسة مغلظة عند الإمام، لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار ... فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا رِكْس) (١٥) . وهو نجاسة مخففة عند الصاحبين لقول الإمام مالك بطهارته، ولعموم البلوى لكثرته في الشوارع وعدم إمكان الناس التحرزّ منه.


(١) المائدة: ٩٠.
(٢) أي لا تسقط عنه صفة النجاسة. والضرورة تقدر بقدرها، والتداوي بالمحرم جائز عند الضرورة إذا لم يوجد غيره.
(٣) الأنعام: ١٤٥.
(٤) ابن ماجة: ج ٢ / كتاب الأطعمة باب ٣١/٣٣١٤.
(٥) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٥٥/٢١٥.
(٦) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٥٥/٢١٤.
(٧) ابن ماجة: ج ١ / كتاب الطهارة باب ١١٨/٦٢٩.
(٨) مسند الإمام أحمد: ج ٤ / ص ٣٩١.
(٩) البيهقي: ج ١ / ص ١١٥.
(١٠) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٦٤/٢٢٨.
(١١) الأنعام: ١٤٥.
(١٢) المائدة: ٣.
(١٣) أبو داود: ج ٤ / كتاب الترجل باب ٢١/٤٢١٣.
(١٤) أبو داود: ج ٤ / كتاب اللباس باب ٤١/٤١٢٣.
(١٥) البخاري: ج ١ / كتاب الوضوء باب ٢٠/١٥٥. والّرِكْس بالكسر: الّرِجس. وهو أيضاً الَّرجيع، وذلك لرجوعه من حال الطهارة إلى حالة النجاسة.

<<  <   >  >>