للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وللواقف ثلاث علامات: أولها: إذا أراد أن يدخل في عمل فيقف ويتفكر في عاقبته إن كان رشداً أو صواباً مضى، وإن كان غياً أو خطأ انتهى، والثاني: يقف حتى يتفكر كيف هذا الفعل أمرجوّ هذا العمل بالثواب أم بخوف العقاب، والثالث: يقف حتى يتفكر في حجته ويشغل نفسه بطلب حجته لأن الله تعالى إذا أقامه بين يديه فيقول لِمَ فعلت ولا بد له من الإجابة.

وأربعة أشياء من فعال الواقف: أولها: الصبر لأنه لا بد للواقف من الصبر حتى يفهم حجته ويقيمها، والثاني: الجهد لأن الواقف لا يقدر أن يقيم حجته إلا بالجهد، والثالث: التضرع بقلبه بينه وبين الله عزَّ وجلَّ حتى يُفهِّمه حجته ويستعين ربه على تفهمه، والرابع: الإرادة ولا يكمل الوقف للواقف إلاّ بحفظ إرادته، ولا يصيب الوقف إلا بخوف العاقبة لأنه ذاكر كأنه على شفير جهنم، فإن لم أقل كما حكم الجبَّار وإلاَّ فيكُبني فيها، ويعلم حين نتكلم أن لم تكن هذه الكلم كما حكم الجبار يحرقني الله بنار تتلظى، وإن كان في العمل فيعلم أنه ألاّ يكون من الذي يحبّ الله ويرضاه فيعاقبني وكل فعل منه كذلك. فنعم الباب الوقف فطوبى لمن وفقه الله بالوقف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمن واقف والمنافق وثَّاب ".

حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي، وجرير بن عبد الحميد الضبي عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، يا معاذ إن المؤمن قيده القرآن عن كثير مما تهوى نفسه وشهواتها وحال بينه وبين أن يهلك فيما تهوى بإذن الله، يا معاذ إن المؤمن يتوقع الموت صباحاً ومساءاً، يا معاذ إن المؤمن لا يأمن قلبه ولا تسكن روعته ولا يطمئن من اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم، يا معاذ إن المؤمن من يعلم أن عليه رقيباً على سمعه وبصره ولسانه ويده ورجليه وبطنه وفرجه اللمع واللمحة ببصره وكحل عينيه وجميع سعيه فالتقوى رفيقه، والقرآن دليله، والخوف محجته، والشوق مطيته، والحذر قرينه، والوجل شعاره، والصلاة كهفه، والصيام جُنّته، والصدقة فكاكه، والصدق وزيره، والحياء أميره، وربه من وراء ذلك بالمرصاد، يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي ولقد أنهيت لك ما أنهى إليّ جبريل فلا يكون أحد أسعد بما أتاه الله منك.

تفسير الحلم وضده الحدّة

[باب تفسير الحلم]

فالحلم من الحليم يكون بثلاثة أشياء: أحدهما: بالعقل، والثاني: بالعلم، والثالث: بالاستيحاء من الملك الجبار.

فشكل الحلم السكينة، وضد الحلم الحدّة، وللحلم ثلاث علامات: أولها: لا يحب الجدال لأنه لا خير في الجدال، والثاني: ينتهي عن أعراض المسلمين لأنه قد أصاب الحلم، والثالث: يغضب على من طعن في المسلمين لأن الطعن في المسلمين ذنب عظيم بعد ألاّ يكون مبتدعاً أو فاسقاً معلناً بفسقه.

وثلاثة أشياء من فعال الحليم: أولها: أن يكون حسناً، والثاني: يكون كلامه بالرفق واللين لأنه صاحب حلم، والثالث: أن يكون مبتسماً في وجوه الإخوان. ولا يصيب الحليم الحلم حتى يستحي من الله فإذا استحيا من الله فلا يحابي أحداً بإظهار حقه فنعم الشيء الحلم، فطوبى لمن وفقه الله للحلم.

[تفسير الإلهام وضده الوسوسة]

[تفسير الإلهام]

فشكل الإلهام دلالة الخير، وضد دلالة الخير دلالة الشر، ودلالة الشر والوسواس شكل، وضد الإلهام الوسوسة فينبغي لكل مؤمن أن يعلم الإلهام من الوسوسة، فإذا أردت أن تعلمها فانظر حين تدخل في عمل ورأيت في قلبك التعجيل وذهاب خوف عاقبة ذلك الذي كنت تتفكر قبل أن تدخل في العمل وأخذ منك حلاوة ذلك العمل، فاعلم أنه من الوسواس، وتكون دلالة ذلك العمل منه، وإذا دخلت في عمل وكنت إليه ذاكراً عاقبته خائفاً عقوبته، ويكون خوفك من الازدياد ورجاك في عصمة الله لك ألاّ يوفقك الله على هذا في المهالك، فاعلم أن تلك التذكرة من الإلهام، وهو الذي دلك على هذا فاستبشر وكن ذاكراً لمنّة الله بما فهمك بعلمها، فطوبى لمن وفقه الله للإلهام له. وإن الناس في الإلهام على تسعة أوجه.

[تفسير الإخلاص وضده الرياء]

[تفسير الإخلاص]

فالإخلاص من المخلص يكون بسبعة أشياء:

<<  <   >  >>