للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يصيب الرجل الحسبة ولا يقدر عليها حتى يذكر نفسه محتاجاً إلى رضا الله وثوابه، فإذا ذكر ذلك قدر على لحسبة، فنعم الباب الحسبة، فطوبى لمن وفقه الله في الحسبة لأن من ذكر ثواب عمل الآخرة طابت نفسه به ورغب فيه وحرص عليه وثقل عن الدنيا لقلة خيره وكثرة آفته حتى يراه كأنه لا شيء.

[تفسير النية فضد نية الخير نية الشر]

[تفسير النية]

والنية من الناوي تكون بأربعة أشياء: أحدهما: بكسر رغبته في الدنيا، والثاني بقصد الأمل، والثالث: بعجلته عن الحياة، والرابع: بشغله بطلب الآخرة.

فضد نية الخير نية الشر، ونية الشر مع طول الأمل شكل، وضد طول الأمل قصر الأمل، وقصر الأمل مع نية الخير شكل، وللناوي ثلاث علامات: أولها: معصوم بها من الخطايا لأن نيته إلى غيره، والثاني: أمن الزلات لأن صاحب النية قلّ ما يزل، والثالث: يترك كل عمل فيه من الخير لأن نيته لا تتحول على خير الأعمال.

وثلاثة أشياء من فعال الناوي: أولها: أن يعمل بالوقف حتى يتبين له، والثاني: يتفكر حتى يتبين النية من الأمل، والثالث: قائم على الهوى والرأي حتى يكسره، ويكون متابعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصيب الناوي النية حتى يكسر الرغبة في الأمل، ويشغل نفسه في عمل الآخرة، فنعم الباب النية، فطوبى لمن وفقه الله للنية، لأن نية الناوي كرأس المال للتاجر، وكالعمر لطالب الآخرة بما يصلح جميع شأنه إنه عزيز مكرم مراح، وصاحب الأمل ذليل مهن متعب في الدنيا والآخرة.

[تفسير الشفقة وضدها العداوة]

[تفسير الشفقة]

والشفقة تكون من المشفق بثلاثة أشياء: أحدها: بتذكرة منزلة المؤمنين عند الله وكرامتهم عليه، والثاني: بتذكرة حاجته إلى معونة المسلمين والمؤمنين إياه لما يعلم أنه وحده ضعيف ولا يقدر أن يحكم أمر دينه إلا بمعونتهم إياه، والثالث: بتذكرة حاجته إلى شفاعتهم يوم القيامة ويجوز أن يكون نجاته بشفاعتهم.

فضد الشفقة العداوة، والعداوة والحسد شكل، وضد الحسد النصيحة، والشفقة والنصيحة شكل، وللمشفق ثلاثة علامات: أولها: أن لا يحب العداوة، والثاني: لا يحب الحسد، والثالث: لا يحب المبادرة ولا الطعنة.

وثلاثة أشياء من فعال المشفق: أولها: اللطف، والثاني: الحلم، والثالث: يحب كل مسلم.

ولا يصيب الرجل الشفقة حتى يذكر منزلة المؤمنين عند الله، فنعم الباب الشفقة لمن وفقه الله، فطوبى لمن وفقه الله للشفقة لأن شفقته عليهم تروم إلى شفقته على نفسه مع ما له من الخيرات بها في الدنيا والآخرة، مع الدعاء إلى الأبد بأنه عزيز، مكرم، آمن، والحاسد ذليل، مهان، خائف من الدنيا والآخرة.

[تفسير المداراة وضدها المداهنة]

[تفسير المداراة]

والمداراة تكون في المداري بثلاثة أشياء: أحدهما: بتذكرة فضل الجماعة، وصلاة الجماعة والحج والعيدين وما يشابههما، والثاني: بتذكرة فساد الوحدة لأنه ينبغي لك أن تكون معتزلاً بقلبك عنهم ولا تعتزل عنهم بالجوارح، والثالث: بتذكرك نصيحتك لله ولرسوله وللمؤمنين.

فضد المداراة المداهنة، والمداهنة والتملق للدنيا شكل، وضد التملق للدنيا التملق لأمر الدين، والتملق لأمر الدين والمداراة شكل. وللمداري ثلاث علامات: أولها: يحب الجماعة، والثاني: يخاف من العزلة، والثالث: يحب الاحتمال.

وثلاثة أشياء من فعال المداري: أولها: لا يؤثر الشيء لأجل أمر الدين وحب الجماعة، والثانية: لا يمسك الكلام عن أحد، والثالثة: يكون في صحبة الخلق، فيداري معهم لأجل زيادتهم، ولا يصيب الرجل المداراة حتى يكون ذاكراً فضل الجماعة وفساد الوحدة، ثم يخاف من هوى نفسه، فإذا خاف من هوى نفسه فيقدر على المداراة بين الناس، فنعم الباب المداراة لمن وفقه الله، فطوبى لمن وفقه الله بالمداراة، لأن المداري مضطر بين الناس فيود حفظ نفسه على طلب مرضاة الله ومحبته بالاجتناب عما كره الله، لا يريد لهم الإثم لأجلهم.

[تفسير الورع وضده الإقبال]

[تفسير الورع]

فالورع من التورع يكون بخمسة أشياء:

<<  <   >  >>